الطبيعة تعمل أعمالها العظيمة المتعددة في كل لحظة. . تدير الأجرام، وتبني الأجسام وتسكب الشعاع، وتسوق الريح، وتوزع الدورات، وتملأ جميع القوالب، وتعطي الإذن والمشورة والرأي لكل شيء. . .
لا اصطدام ولا تناقض ولا فطور ولا صدوع. تجيب كل حي بلسانه وتكلمه وتوصيه وتوجهه وتلد وتدفن وتضحك وتعول. لا تنام، ولا تستريح. قلبها لا يقف عن الدوران والنبض. كل بذرة، كل بويضة، كل ورقة، كل حشرة، كل ذرة تحتاج إلى عنايتها وإرشادها، وهي تعطي العناية والمشورة ولا تخطئ!
من يكذبني فليذهب إلى حديقة الحيوان بالقاهرة أو إلى أي حديقة مثلها، حيث تجتمع فيها نماذج حياة الأرض، ليرى ويسمع (الجوق) ويهو يعزف (أوبرا) الحياة جميعها. . .
إن حديقة الحيوان موضع عناية الله البارئ! إنها عندي معبد أذهب إليه كثيراً بالجسم حين أكون في القاهرة، وأذهب إليه الآن وأنا في العراق بالروح والفكر لأقف مع الأحياء جميعها أمام الله!
إنها معرض دائم للمنتوجات الحية المجموعة من كل مكان في الأرض. إنها حسنة من حسنات الإنسان لولا أنه فعلها غير مقصودة، بل للهو والمتاع بدون فكر وروح. . .
إن الملائكة يتفرجون بها أكثر مما يتفرج الناس. . . ليروا فعل ربهم في غير عالمهم. . . في عالم الطين. . . إنهم يعجبون من تصنيف القلوب والشكول والعقول فيها. . . وإن القلوب والطباع هناك أمرها عجيب. الأضداد والأعداء ينظر بعضها إلى بعض من خلال الأقفاص ويتعجب كل منها من هذا الوضع الشاذ في حياته. وترى تناقصاً بين ما في قلوبها وبين حياتها وهي مجموعة ينظر بعضها إلى بعض نظرات متدافعة من خلال القضبان. .