للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[التكتم في البحث العلمي]

للأستاذ خليل السالم

لا يصيخ العلماء اليوم لصرخة الضمير الحي، الذي يهيب بهم أن يخففوا من غلواء إنتاجهم المهلك واستكشافهم المدمر، فالأسلحة السرية تثب من مكامنها، وتعبث بحياة البشر آنا بعد آن، وتهدم من معالم الحضارة عمراناً بعد عمران. ولا يذهبن الخاطر إلى الفتك والتدمير مقصوران على الأسلحة السرية وحدها، ولكن هذه أكثر إزعاجا وأفعل في بث الرعب والفزع لأنها كالعدو المفاجئ يخرج من الظلام في حين لم يحسب له الإنسان حساباً ولم يوطن نفسه عليه

والأمم التي تؤمن بالعلم، وتؤمن بفعاليته القوية في ابتكار أساليب الهجوم والدفاع الناجعة، هذه الأمم تفتح المختبرات وتجهزها بالمعدات والآلات، وتغدق عليها وافر الأموال والميزانيات، وتجند العلماء للعمل فيها. وطبيعي بعدئذ أن تحيط أبحاثهم بسياج حصين من الكتمان الشديد وتحزم النشر وتقتل حرية البحث.

وقد يرضى بعض العلماء بهذا الوضع الشاذ البعيد عن روح العلم الإنسانية، فما اسهل أن تكسب الحكومات في الأزمات والضروف الحرجة عطف العلماء وتعاونهم وتآزرهم، فهم يرضون ظناً منهم بأنهم يخدمون مصلحة الأمة ويقودون الجيوش إلى غاية النصر، ويؤكدون الذات في المعترك الدولي. ونجد نفراً آخر غير قليل يجد نفسه مجبراً على هذه الخدمة القهرية والوحشية تحت ضغط النظام القاسي الذي يحيا فيه، ليؤمن أسباب الحياة التي ما كان ليبلغها لولا انسجامه مع روح العمل وتفانيه فيه. فالسلطة لا تستخدم عالماً حراً ينشئ أسرار بحثه، ويبشر بصراحة العلم المثالية؛ وإنما تلاحقه بصنوف الاضطهاد والضغط، وتسوقه للقيام بأعباء عمل آخر لا ترتاح له نفسه ولا يتسق معه طبعه.

ولذلك نجد في أيام الحرب مبرراً لهذا الجو البغيض الكريه الذي يحيا فيه البحث العلمي المنتج. ولكننا لا نجد مبرراً شرعياً يسوغ للنظام المقاسي أن لا يمتع العلماء بالجو الفسيح الطلق في أيام السلم أيضاً.

فقد درجت مؤسسات الصناعة أن تعد المختبرات المجهزة تجهيزاً فنياً حديثاً، وتعين للأشراف عليها العلماء الذين لمعت أسماؤهم في الحقل الفني الذي فيه، وترصد

<<  <  ج:
ص:  >  >>