للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[ديوان الطرائف:]

سبط ابن التعاويذي

للأستاذ أحمد عثمان عبد المجيد

هو أبو الفتح محمد بن عبيد الله، وينسب إلى ابن التعاويذي جده لأمه لأنه نشأ في كنفه وحياطته، وكان جده هذا زاهداً تقياً ومحدثاً صالحاً.

وقد ورث أبو الفتح عن جده الرغبة في الدرس والتعلق بأسباب الثقافة، فأقبل على النظر في كتب اللغة والأدب، يسعده طبع أصيل، وتمده ملكة مرهفة، حتى بالبراعة في الكتابة والحسابة، وجلى في ميدان الشعر، فجمع فيه بين جزالة اللفظ وعذوبته، ورقة المعنى ودقته. وفية يقول ابن خلكان: إنه لم يكن قبله بمأتي سنة من يضاهيه. وكأنما خاف أن يتهم بالمبالغة والتزيد فأردف حكمة بقولة: ولا يؤاخذني من يقف على هذا الفصل، فإن ذلك يختلف بميل الطباع، ولله در القائل: وللناس فيما يعشقون مذاهب.

وقد تأثر أبو الفتح في نثر طريقة ابن العميد القائمة على العناية بالتصنيع والتزيين، وصرف الجهد إلى تكلف وجوه البديع.

ولقد فتن كتاب الدواوين جميعاً بهذه الطريقة منذ أنهجها لهم أستاذهم ابن العميد، وأغرقوا من بعده في تصيد المحسنات، فجنوا على المعنى، وتحيفوا الفكرة رغبة في تجويد الصورة وتجميلها فخرجوا على الناس حينا بنثر مرقش ليس وراءه كبير معنى ولا جليل غرض؛ وحينا بنثر كز منقبض لا يفصح عن مراد ولا يهدي إلى قصد، إذ جنى البديع عليه فأغمضه وأزال وضوحه وأوقع قارئه في عملية. وحسبك أن ترسل طرفك في كتاب الفتح القسي في الفتح القدسي للعماد الأصفهاني صديق سبط ابن التعاويذي لترى الغرابة والاستبهام والكزازة.

وقد أورد العماد في كتابه جريدة القصر وجريدة العصر طائفة من الرسائل التي تلقاها من ابن التعاويذي، وفيها يتحرى الطريقة البديعية، ويلتزم نهجها

ولقد ولى الكتابة بديوان الإقطاع ببغداد لبراعته في الحسابة والإنشاء، وأنقطع إلى آل الرفيل وكان ولاؤه فيهم، يمدحهم ويستمنحهم، وكانوا سادة ذوي نفوذ وسلطان، وقد ولي الوزارة منهم عضد الدين أبو الفرج للخليفة المستضيئ. وفيه يقول الفخري: كان من

<<  <  ج:
ص:  >  >>