للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أفاضل الناس وأعيانهم، نهض بأعباء الوزارة نهوضاً مرضياً، وتلطف بالأمور تلطفاً لم يكن في حساب الناس وبيته بيت مشهور بالرياسة.

ويبدو أن ابن التعاويذي قد أنفق جل عمره مع آل الرفيل يحمد لهم إقبالهم على بره وإنعاشه. فإن أحس منهم إغفالا له واطراحا لما ألزمهم من حقه جاهر بلومهم والإنكار عليهم. وفيهم يقول:

قضيت شطر العمر في مدحكم ... ظنا بكم أنكم أهله

وعدت أفنيه هجاء لكم ... فضاع فيكم عُمُري كله

وهذا قول قاس، يدل على أن شعراء المدح والاستمناح ما كان يردعهم عن التدلي إلى المجاهرة بالهجاء سالف معروف، ولا سابق مبرة. وأنهم إن أعطوا منهم رضوا، وإن لم يعطوا إذا هم يسخطون.

ولعل نهم ابن التعاويذي بالمال كان يدفعه إلى مدح غيرهم، ولعلهم نقموا منه ذلك وأنكروه عليه لأنه إن دل على شيء فإنما يدل على أن صنائعهم إليه لا تنهض بحاجاته، ولا تفي برغائبه. فقال يعتذر مسجلاً في صراحة أنه كخماص الطير تجتذبه الجدوى كما يقنصها الحب، وهو بهذا يستفيد من قول المتقدم:

يسقط الطير حيث ينتثر الحب ... وتغشى منازل الكرماء

قال:

وما زلت في آل الرفيل بمعزل ... عن الجور مبذولاً لي الخصب

فإن أقترف ذنباً بمدح سواهم ... فإن خماص الطير يقنصها الحب

وإن عاد لي عطف الوزير محمد ... فقد أكثب النائي، ولان لي الصعب

وزير إذا اعتل الزمان فرأيه ... هناء به تطلي خلائقه الجرب

ولقد دفعته صلته بآل الرفيل إلى أن يناصب الوزير ابن البلدي العداء، وأن يهجوه حين عزل أرباب الدواوين واشتد عليهم بالمصادرة والعقاب. وكان بين عضد الدين الرفيلي وابن البلدي جفاء ما فتئ يتفاقم حتى حمل عضد الدين على أن يدبر لقتل الوزير وتم له ذلك، ووثب من بعده على الوزارة. وفي ابن البلدي يقول ابن التعاويذي:

يا قاصداً بغداد، حد عن بلدة ... للجور فيها زخرة وعباب

<<  <  ج:
ص:  >  >>