إذا حاولنا أن نذكر في هذه الكلمة ما كان للحكومات الإسلامية من أثر في تقدم المدنية، ولم يكن ذلك إلا تكراراً لأمر قد فرغ منه منصفو المؤرخين شرقيين وغربيين
اتسعت رقعة الإسلام حتى زادت في السعة على الإمبراطورية الرومانية. وكان الرسول عليه الصلاة والسلام أول من وضع أساس السياسة الخارجية للعرب، فأرسل الكتب والبعوث إلى الملوك والأمراء يدعوهم إلى توحيد الله والإيمان برسالته، وغزا بلاد الروم وحارب الغساسنة على حدود الشام لما سخروا من دعوته واعتدوا على رسله وقتلوا أصحابه. وقد جهز قبل وفاته حملة لغزو أطراف الشام. غير أن وفاته قد حالت دون إنفاذها. ولما ولي أبو بكر الخلافة شرع في إتمام هذا الفتح؛ وجاء بعده عمر فعمل على توسيع رقعة الدولة الإسلامية. وإذا ما تتبعنا ما قام به الرسول من الغزوات والسرايا، وما قام به الخلفاء من بعده من الفتوح، وجدنا أنه كان لهذه الغزوات والفتوح أثر كبير في نهضة بلاد العرب من النواحي الاجتماعية والسياسية والأدبية وغيرها، كما كان لها الفضل الأكبر في نشر الإسلام في أرجاء الجزيرة العربية، ووضع الأسس والمبادئ العامة في تنظيم المعاملات بين أفراد الجماعة الإسلامية. ذلك أن الإسلام قد حرص على أواصر القرابة من أن تعبث بها الغيرة، كما سوى بين المرأة والرجل في جميع الحقوق تقريباً، وأحل الوحدة الدينية محل الوحدة القومية، وحث على التمسك بالفضائل، وعني بأسرى الحروب أيما عناية، وحاطهم بسياج من عدله ورحمته. ولم يذكر لنا التاريخ أن إماما من أئمة المسلمين أمر بقتل الأسرى، اللهم إلا من كان يخشى خطره على المسلمين. ولا غرو فإن الإسلام قد سوى بين الناس على اختلاف أجناسهم؛ فسوى بين الأبيض والأسود، والبدوي والمتحضر، والحاكم والمحكوم، وبين الرجال والنساء. انظر إلى المسلمين وهم في مسجد يؤدون فريضة الصلاة، أو في مكة يحجون البيت الحرام، أو في المحاكم الشرعية في صدر الإسلام، أفتجد فيهم من فاضل ومفضول؟ وقد ساعد الرسول على توحيد كلمة العرب تلك الديمقراطية التي جاء بها الإسلام، والتي تلاشت أمامها هذه الفوارق الجنسية التي طالما مزقت شمل العرب، وليس أدل على تلك الديمقراطية من قوله تعالى: