كان للأزهر بلا ريب أثره في توجيه الحركة الفكرية المصرية في هذا العصر، فقد كان مذ بدأت مهمته الجامعية موضع الرعاية الرسمية. كان يشترك في عقد حلقاته الدراسية أقطاب العلماء من رجال الدولة، كبني النعمان قضاة مصر، والوزير ابن كلس، وداعي الدعاة؛ وكانت هذه العناية تسبغ على حلقاته ودروسه أهمية خاصة؛ بيد أن هذا الأثر كان محدوداً، خصوصا منذ قيام دار الحكمة، جامعة الدولة الرسمية، وتبوئها مقام الزعامة في توجيه الحركة الفكرية؛ وقد كان أثر الأزهر أقوى وأشد ظهوراً في نشر العلوم الدينية، وتخريج علماء الدين، لأنه كما قلنا كان موئل الثقافة الدينية، بينما كانت دار الحكمة موئل الثقافة المدنية؛ وعلى أي حال فإن مؤرخ الآداب العربية لا يسعه إلا أن ينوه بما كان للأزهر من أثر في سير الحركة العلمية والأدبية أيام الدولة الفاطمية، وان كان هذا الأثر لم يبلغ يومئذ ما بلغه فيما بعد من الأهمية والخطورة
ونلاحظ من جهة أخرى أن أثر الأزهر في توجيه الحياة العامة في تلك المرحلة الأولى من حياته لم يكن عظيما. ذلك أن الدولة الفاطمية كانت تحرص على سلطانها السياسي أشد الحرص وتمعن في التمسك بعصبيتها، ولا تفسح كبير مجال لنفوذ العلماء ورجال الدين، ولم تكن عنايتها بنشر دعوتها الدينية إلا توطيداً لدعوتها السياسية، ولم يكن للدعاة من العلماء ورجال الدين من النفوذ المستقل إلا ما يتجه نحو هذه الغاية ويخضع لسياسة الدولة العامة. كذلك لم يكن للفقهاء والمتشرعين المستقلين كبير أثر في سير التشريع في ذلك العصر، لأن الدولة الفاطمية كانت تهتدي في صوغ شرائعها بمبادئها المذهبية الخاصة، ومن ثم فإنا لا نستطيع أن نلمس أثراً يذكر لرجال العلم والدين في توجيه الشؤون العامة في العصر الفاطمي