منذ عنيت الصحافة المصرية بأنباء الهند، وهي تذكر عن مكاتبيها في تلك البلاد النائية جماعة البهرا وشيخ البهرا بكثير من الإجلال والعناية، ولقد طالما رأيت مذ شهدت الشيخ ومسست حياة جماعته أيام رحلتي في الهند أنهما حقيقان بعدة فصول تجمع إلى طرافتها فائدة التعريف بجماعة من جماعات الإسلام لها خطرها في الهند، على الرغم من أنها قليلة العدد لا يكاد أفرادها يجاوزون الثلثمائة ألف هندي مسلم، إلا أن التماسهم أرقى وسائل التعاون وأجدى أسباب الارتباط قد أغناهم عما يراد بالكثرة من قوة وعتاد
والبهرا طائفة من طوائف الشيعة يطلق عليها في العربية اسم (الشيعة الداوودية) نسبة إلى رئيسها الأول، وقد كان باليمن ثم انتهى به العزم إلى الهند، فحط الرحال في صحبة من أتباعه بمدينة كجرات، على ساعات بالقطار من (بمبي)، منذ نيف ومائة سنة، وبمبي إذ ذاك في عالم الغيب
وإذا كانت جماعات الشيعة قد عرفت بأوضاعها الخاصة وتقاليدها المستقلة في الدين والاجتماع، فإن شيعة البهرا أو شيعة الداوودية قد عرفت في جماعات الشيعة نفسها بعقائد وتقاليد تدير حولها سياجاً يفصلها عن غيرها فصلاً تاماً؛ فهي تعتقد أن المهدي المنتظر سيكون من سلالة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وتذهب إلى تخصيص فرع معين من فروع الدوحة النبوية، على أن المهدي سيكون من ثمره، أو على أن نبوة المهدي تكمن فيه، وهي إذ كانت لا تعرف موعد ظهور الرسول الجديد، لا تفتأ تنتظره دون تعجل ولا ملالة، وتتمثله في واحد من الأحياء الذين ينتظمهم هذا الفرع المعين، فإذا حان حينه فقد استخلف على رسالة المهدي وريثاً من أبنائه، وما تزال أمانة النبوة تتنقل في صندوقها المقفل من وريث إلى وريث، ومن عصر إلى عصر، حتى يتهيأ الزمن لاستقبال هذه النبوة الجديدة، وحتى يرى الله أن قد استفحل الضلال فلا مناص من إنقاذ الدنيا، فيأمر فإذا بصاحب الصندوق قد فتحه وأصاب فيه عدة النبوة وخاتمها، وإذ ذاك يظهر المهدي المنتظر. أما هذا الذي تكمن فيه نبوة المهدي، فيظل نكرة لا يعرف سره من الناس إلا الشيخ الأعلى لجماعة