للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بالجيزة، وقلعة دمشق، وعمر المدرسة بين القصرين بالقاهرة، وحفر خليج الإسكندرية، وبنى قرية الظاهرية. وشيد الملك الناصر القصر الكبير الأبلق، وعمر الديوان الكبير والجامع الكبير الذي بالقلعة، وعمر المجراة وأجراها من بحر النيل إلى القلعة، وحفر الخليج الناصري، وعمر قناطر أم دينار

على أنه مهما قيل في حسنات هؤلاء المماليك فثمت ما يقال في سيئاتهم وفيما خلفوه من آثار البطش والجور والإرهاق، لخبث سيرتهم وعظيم جورهم، وغلبة القسوة وشهوة الاستبداد على طبائعهم، أولئك الذين كانوا في الأمس عبيداً أرقاء! فكان السلطان منهم مستبداً في أمره لا وازع يكفه عن عمل الموبقات؛ وكانوا فوق ذلك لا يعرفون (مبدأ الوراثة) في الحكم، فكان القوي منهم ينتهز الفرص للتفرد بالحكم والاستبداد بالضعيف، فكان ذلك الوقت وقت تشاغل وفرص، بل وقت مؤامرات تحاك في الخفاء، فلا يسلم منها الشعب، ويصيبه من جرائها كثير من الجور والإرهاق. وكانت الضرائب غير مقيدة بقانون أو وازع ديني أو إنساني، وإنما كانت تتفاوت في الزيادة والنقصان حسب الظروف والأحوال ومشيئة السلطان

ولم تكن مصر مع ما ذكرنا بأسوأ حالاً من سورية وفلسطين، ولا سيما وأن الأخيرتين كانتا ميداناً للحروب والمناحرات. وهكذا ضج الناس وعم الفقر، وانتشر الجهل والبلاء. وكان المجد العربي والعزة العربية والخلق العربي قد أمحت جميعها من أذهان العامة، فأصبح الناس لا يبالون بمن يولونه قيادهم، ويسلمون له زمام أمورهم، وإنما يطلبون العدل والإنصاف!

وفي وسعنا المضي في هذا السبيل القاتم، ولكننا نخشى ألا يكون في ذاك فائدة بعد أن دللنا بالقليل على الكثير، وهذه كتب التاريخ حفلة بمظاهر الجور بل بمشاهد الفقر والذل التي سادت الشرق العربي في ظل حكم المماليك

يافه

ظافر الدجاني

أ. ع

<<  <  ج:
ص:  >  >>