إلى دار الإسلام في حقارة الرق) فكانت تنقضي أيام هذه الطائفة في التنقل من ميدان إلى ميدان، ومن حصن إلى حصن، في مختلف أنحاء سوريا وفلسطين، وقد اندحر التتر في أكثر من واقعة واحدة؛ كواقعة (عين الجالوت) التي كان النصر فيها حليف المسلمين، فهلك كتبوغا زعيم التتر، ومزقت جموعه كل ممزق كما هلك خليفته أيضاً وجموعه من بعده، عند ما حاربهم الملك الظاهر بيبرس، وردهم على أعقابهم خاسرين متعثرين في أذيال الهزيمة، وكانت سوريا في خلال ذلك ميداناً لجهاد هؤلاء المماليك العنيف ضد الحملات الصليبية فامتلأت بجيوشهم وزهرة فرسانهم، وما زالوا يذرعون أرضها صعوداً وصدوداً، متكاتفين متكالبين حتى انتزعوا السلطة من أيدي الصليبيين، واستخلصوا منهم القلاع والحصون، فافتتح الملك الظاهر بيبرس حصن صعذ وسيس، وسيس هذه كانت كعبة المجاهدين من أبناء المماليك لأنها مدينة نصرانية، فكان أهلها يظاهرون الأرض على جيوش المسلمين
وكان العلويون والحشاشون، وهم من الباطنية، أصحاب سلطة ونفوذ، وكان قد دوخهم هولاكو في حملته المشهورة، ودمر حصونهم وقلاعهم فاستأصل أبناء المماليك شأفتهم، وحرروا سوريا من ربقة مظالمهم في عهد الملك الظاهر بيبرس المذكور. وكان الملك الظاهر بيبرس هذا قد استقدم ابن الخليفة الظاهر بأمر الله آخر خلفاء الدولة العباسية في بغداد، فأكرمه وقلده الخلافة ولقبه (المستنصر بالله)، فأصبحت القاهرة مركز الخلافة الإسلامية بعد أن كان مركزها بغداد. وبقيت هنالك حتى مقدم العثمانيين. ولكن الواقع أن سلطة هؤلاء الخلفاء كانت مقيدة لا تعدو أمور الدين والزعامة الدينية. وإنما أكد حاجة المماليك إلى هذه الخلافة الوهمية رغبتهم في وسم حكومتهم بطابع ديني شرعي حتى تنهض حجتهم ويستقيم أمرهم بين جماعات المسلمين
وأخيراً لا ينبغي أن ننسى أن هؤلاء المماليك قد خلفوا كثيراً من الآثار والأبنية التي تشهد لهم بالتقدم في فن العمارة وفي الري والعمران، فقد شيدوا المساجد والمدارس والقصور والمستشفيات، وعمروا القناطر والترع، وحفروا الخلجان، ووسعوا الأوقاف من كل ناحية. وكانوا يتبارون في ذلك حتى عمر القطر المصري والبلدان المجاورة التي خضعت لحكم المماليك بجليل الآثار. فعمر الملك الظاهر الحرم النبوي، وقبة الصخرة، وقناطر شبرامنت