عام مضى أو كاد على يومي حافظ وشوقي! فهل شعب القلوب الدامية عنهما سلوان، وعزى النفوس الآسية منهما عوض؟ لا يزال الجزع يهفو بالأفئدة على مستقبل الشعر اليتيم، ولا يزال الصمت الموحش يقبض الصدور في خمائل الوادي، بلى، نشط في مصر القريض، وتجاوبت الأفراخ النواهض بالأغاريد، ولكن أصواتها الناعمة الرخوة لم تملأ الأسماع ولم تطرد الوحشة، ولاحت في سورية المهاجرة مواهب النبوغ، ودلائل القيادة، ولكن البعاد يبدد الصوت القوي، والاغتراب يوهن الجهد الجهيد. كان اسم حافظ واسم شوقي علمين على الشعر في العهد الأخير، وكان الناس يؤمنون بقوة أدبية لازمة تظاهر نهضتنا، وتساير ثقافتنا، في هذين الشاعرين. فكلما خفقت القلوب لنزوة من الألم، أو لنشوة من الأمل، أصغت الأسماع تنتظر من رياض (الجيزة) أو ربى (حلوان) تلحين هذه العواطف، أو تدوين هذه المواقف. فلما خلا مكان الرجلين وقع في الأوهام وجرى على بعض الأقلام أن تلك القوة زالت وأن زمان الشعر ذهب! فحاول عشاق الأدب ورواد القريض أن يقرّوا في الرؤوس سلطان هذا الفن، ويقروا في النفوس وجود هذه القوة. فحشدت جماعة (أبولو) جميع وحداتها، وعزفت جوقتها على جميع آلاتها، وشرّقت الصحف والمجلات بفيض القرائح الشابة، ودعا الكهول القرَّح إلى عقد موسم للشعر، والزمن الذي يمحص الأشياء فينفي البهرج، الزائف ويثبّت الحق الصريح، هو الذي يعرف مكان هذه الجهود، من عالم الفناء أو من عالم الخلود.
موسم الشعر:
وقع في نفس الأستاذ الهراوي منذ شهرين أن يدعو الشعراء إلى مواضعة الرأي في إقامة موسم للشعر، فلبّى فريق، وتأبّى فريق، ورأت جماعة (أبولو) في الدعوة إحتكاراً لفضل الفكرة، واقتصاراً على بعض أغراض الشعر فأهملتها، ثم قررت أن تقوم هي بمهرجان سنوي جامع. ثم سعى بين الجماعتين ساع من حسن النية وشرف القصد فاتفقتا على العمل معا، ثم اجتمع أعضاؤهما في دار لجنة التأليف والترجمة والنشر، ونظروا في نظام الجماعة ومنهاج العمل، ومضى الشعراء الموظفون يلتمسون من معالي وزير المعارف