إذا قال لك قائل إن جزء الشيء يساوي مجموعه، أنكرت ذلك عليه وكذبته فيه لأنك (تؤمن) بأن الجزء أصغر من الكل، ونقطع بذلك قطعاً، ولا ترى عنه معدلاً. وإذا وجدت من يبذل دمه في سبيل وطنه، ويفديه بنفسه وماله، ويحرص على خدمته قلت إنه من ذوي (الإيمان) الوطني، وإذا ألفيت المحبّ المولّه، يعصى العذول ويعرض عن الناصح، وصفت حبه بالإيمان وعبرت عنه، كما يقول التراجمة الناقلون، بالعبادة. فقلت: إنه يعبد حبيبته.
هذا كله من مظاهر (الإيمان) - والإيمان - بهذا المعنى - هو العقيدة الثابتة في النفس، أو العاطفة القوية الراسخة التي لا تتبدل ولا تتزعزع ولا يحتاج إلى التدليل عليها، لأنها من (البديهيات) بالنسبة لصاحبها المؤمن بها.
فالإيمان (في اللغة) التصديق وفعله آمن واصلها أأمن بهمزتين ليّنت الثانية.
أنواع الإيمان
يتضح لك مما مثلنا أن للإيمان نوعين: فإيمانك بأن الرغيف أكبر من نصفه، وأن الواحد ثلث الثلاث (إيمان عقلي) لا اثر لك فيه ولا عمل، وإنما هو من الفطرة التي فطر الله الناس عليها. أما (الإيمان الوطني) أو (الإيمان بالحبيبة) بالنسبة للعاشق المتيم فهو (إيمان قلبي)، لا دخل للعقل فيه، وهو فردي شخصي يختلف عن (الإيمان العقلي) الذي يتصف بكونه عاماً شاملا العقلاء جميعاً. وهذا التقسيم جديد استنبطته من الأمثلة المختلفة للإيمان ورأيت فيه نفعاً، لأنه يثبت جنس الإيمان، ولأنه بعد ذلك يساعد على تحديد البحث. أما الإيمان بأصول الدين، فهو من نوع الإيمان القلبي، ولكن للعقل دخلاً فيه من حيث إنه يقبل مبدأه ويقر نتائجه، ولا يناقضه وإن كان لا يفهمه تماما. وبيان هذه المسألة المهمة أن العقل (يؤمن) بادئ الرأي بوجود الله، وبأنه عادل، ولا يناقض نتائج الإيمان بالقدر إجمالا ولكنه لا يستطيع أن يفهمها ولا أن يعلّلها، ومنشأ ذلك أن العقل مقيد في أحكامه بالحواس والخيال