والاختبارات السابقة، لا يستطيع أن يتخلى عنها، أو يخرج عليها. فهو يحكم على عدل الله بما يعرف من حدود (العدل البشري)، وما لديه من الاختبارات. فيقع في الخطأ لاختلاف فكرة العدل البشرية النسبية، عن فكرة العدل الإلهية المطلقة.
فالعقل إذن لا يستطيع أن ينقض نتائج الإيمان ولكنه لا يؤمن تماماً، وإنما الذي يؤمن هو القلب.
الإيمان في الدين الإسلامي
عرفنا معنى الإيمان في اللغة. أما معناه في الدين فهو التصديق بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر (وسيأتي الكلام على ذلك كله إن شاء الله) فمن صدق بها تصديقا جازما فهو المؤمن حقاً. وقد جعل الله هذا التصديق أصل الدين وأساسه، وأقام الأدلة على هذه المسائل، وخاطب بها العقل، لكن الذي أفهمه أن العقل يقبل مبدأ الإيمان إجمالاً، ثم يدع دقائقه للقلب، أي أنه كالملك في الدولة يوقع على المرسوم ولكنه يدع لغيره من الموظفين فهمه وتطبيقه ومراعاته دائما. فالعقل يؤمن بأن الله موجود، وأن القرآن كتابه الذي أنزله، وأن محمداً نبيه الذي لا ينطق عن الهواء. ثم يقف ويدع للقلب (الإيمان) لكل ما جاء في الكتاب، وما نطق به الرسول والاطمئنان إليه والتصديق به وقبوله بلا أدنى شك ولا ريب. . . وليس في أصول الإسلام ما يرفضه العقل، أو يتعذر عليه قبوله لمخالفته لبديهياته الثابتة، أو أحكامه الصحيحة، وهذه هي ميزة الدين الإسلامي عن كل دين.
العلاقة بين الإيمان والإسلام
الإسلام هو (إظهار) الإيمان، والتعبير عنه (عمليا) بالنطق بالشهادة عليه، والقيام بالعبادات التي تنشا عنه. وهو الأساس الذي يبنى عليه تقسيم الناس إلى متبع ومخالف، وما يتفرع عن هذا التقسيم من أحكام مدنية وحقوقية، لان الناس لهم (الظواهر) ولا يستطيعون أن يشقوا عن قلوب الناس ويعرفوا سرائرهم. وهذا معنى ما جاء في الحديث القائل (أمرت أن أقاتل الناس حتى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله. فإذا قالوها عصموا دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله).
فإن نطق الشهادة، وأدى الفرائض ولكنه غير (مصدق) بها، ولا (معتقد) وجوبها، ولا يفهم