إلا جسمها دون روحها، وشكلها دون معناها، فهو (غير مؤمن) وهو ما كان عليه بعض الأعراب الذين قال الله عز وجل فيهم: (قالت الأعراب آمنا، قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا).
وإن (أظهر) الطاعة عن تصديق وجزم، وأدى الصلاة معتقداً بوجوبها مراقباً الله فيها، فهو المؤمن المسلم. نقل في اللسان عن ثعلب اللغوي قال: المؤمن بالقلب والمسلم باللسان (أي وبالجوارح) وقال الزجاج: صفة المؤمن أن يكون راجيا ثوابه خاشيا عقابه.
وقال الزمخشري في الكشاف، في المسلم الكامل:(هو من اعتقد الحق وأعرب عنه بلسانه وصدقه بعمله. فمن أخل بالاعتقاد، وإن شهد وعمل فهو منافق. ومن أخل بالشهادة فهو كافر. ومن أخل بالعمل أي بالعبادة من صلاة وصيام وحج فهو فاسق).
الإيمان ضروري ومفيد
بدا لك مما تقدم ذكره أن الإيمان ضروري لا يستطيع إنسان أن يعيش بدونه، وأن المرء إن زعم أنه لا يؤمن بأصول الدين لم يكن له بد من الإيمان بمبادئ عقلية، ومبادئ اجتماعية، وأخلاقية، ولا منجي له من الحب - والحب والإيمان من طبيعة واحدة في الأصل - فليس في الدنيا إذن إنسان إلا وهو (مؤمن) لأن (الإيمان) شيء مستقر في طبيعة البشر، ومن آمن بهذه الحقائق الصغيرة، أو الأباطيل التي يتوهمها حقائق، كما يتوهم المحب العاشق، لم يستطع الكفر بالحقيقة الكبرى، وهي وجود الله.
وسنرى بعد أن وجود الله بديهية عقلية، وأن التأليه والتطلع إلى المجهول، والبحث عن الخالد الباقي، من الفطر الإنسانية.
ثم إن من مصلحة الإنسان أن يكون مؤمنا بالله، لأن الحياة مملوءة بالآلام، فياضة بالمكاره، فإذا لم يكن للمرء وَزَرٌ من إيمانه يلجأ إليه كلما حاقت به الشدائد، أو انتابته الأمراض، كانت حياته جحيما محرقا لا يحتمل، وربما أدت به إلى الانتحار كما يفعل الجاهلون، فلا سعادة إذن إلا بالإيمان ولا أنس بالحياة إلا معه.
ومن مصلحة المجتمع أيضا أن يكون الناس مؤمنين، لأن القوانين والقوى التي تؤيدها، والعقوبات التي تحميها، كل ذلك لا يؤدي إلى إنشاء مجتمع خيّر صالح إذا نقصه الإيمان. وكيف لعمري يصلح الرجل ويستقيم، وهو لا يجتنب السرقة إلا خوفا من الشرطي وهربا