من العقاب. فإذا أمن الشرطي ونجا من العقاب سرق وقتل وفعل الأفاعيل. فإذا كان (مؤمنا) بالله يخشى عقوبته، (مؤمنا) بمبادئ الأخلاق التي أمر بها الله ووعد بالثواب عليها استقام دائما، لأن الله مطلع عليه مراقب له دائما. وشيء أخر هو أن الدافع إلى كل ما يفعله الإنسان المنفعة أو اللذة؛ فالمؤمن يعمل الصالحات ولو لم يره أحد ولو لم يعلم به أو يشكره لاعتقاده أن الله يثيبه ويعطيه، فلماذا يعمل الصالحات غير المؤمن إذا لم يكن من يراه أو يشكره أو يذيع فضله أو يجزيه بعمله خيراً؟
الإيمان الكامل
والمؤمن الكامل الإيمان هو الذي يتصور في كل لحظة أنه بِسَمْعِ الله وبصره وأن الله مطلع عليه ناظر إليه، فإذا لم يمنعه من المعصية خوف الله منعه الحياء منه، ولذلك جاء في الحديث (إذا زنى الرجل خرج منه الإيمان فكان على رأسه كالظلّة، فإذا أقلع (أي تاب توبة صحيحة) رجع إليه) فلا يستطيع الزاني أن يزني وهو مؤمن إيمانا حقا، ومتصور أن الله ناظر إليه. بل هو لا يستطيع أن يزني إذا كان أبوه أو أستاذه يراه ويشرف عليه، فالإيمان إذا كان على هذه الصورة يمنع صاحبه من كل فاحشة، ويصرفه عن كل ذنب.
الصالحات بلا إيمان
فإذا عمل الرجل من الصالحات وهو غير مؤمن لم يكن له ثواب في الآخرة. وقد يبدو ذلك غريبا لأول وهلة ولكنه نهاية العدل من الله. وهل في العدل أكبر من أن تعطي المحسن المصلح كل ما يطلب. فإذا كان يقصد ثواب الآخرة، وكان (مؤمنا) بها أعطاه الله ما يطلب، وإن لم يطلب إلا الشهرة في الناس وخلود الذكر فيهم، أعطى الشهرة والخلود، ولم يكن له في الآخرة شيء (فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وماله في الآخرة من خلاق. ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار).
هذه مقدمة موجزة جدا لبحث الإيمان سيعقبها فصل في الإيمان بالله للأستاذ العلامة الشيخ محمد بهجة البيطار ينشر في العدد الآتي.