كل ما استعرضه حتى الآن من خصائص غزل العقاد، جائز أن يشركه فيه سواه، في الفكرة الخاصة أو في الاتجاه العام؛ وهي على ندرتها في عالم الشعراء الكبار، وتفرد العقاد بكثير منها في الشعر العربي كله كما بينت ذلك بوضوح، ليست ملكا خاصا له بمقدار اختصاصه فيما أفرد له اليوم هذا المقال من (خصوصيات)!
الغزل غرض مباح لجميع الشعراء، ومذاهب الحس والتعبير فيه ملك كذلك للجميع، إلا أن العقاد وحده هو الذي يقول ما سأعرضه في هذا المقال الأخير، ولن يشركه أحد في اتجاهه هذا، ولا في فكراته أو تعبيره، لأنه فيه هو (العقاد) بشخصه ولحمه ودمه، لا سواه من الأناسي - قبل الشعراء - وهو هنا في تقاطيعه وتقاسيمه وسحنته التي يلوح فيها، ويتميز بها:
غني عنده ما يعطيه
في قصيدة (تبسم) بالجزء الثاني من الديوان صفحة ١٧٢ يقول لحبيبه
ومن لك بالقلب الذي أنت مبصر ... به كل إعجاز لحسنك باهر
تراه عصيا - إن نأيت - على الرضا ... ولا قلب أرضى منه إن كنت زائري
وفي الناس مطوي الضلوع على الشجا ... ولا مثل شجوى بين باد وحاضر
إذا شاركوني في هواك فما لهم ... سروري بما أصفيتهم وتباشري
وفي هذه الأبيات يشخص العقاد الشاعر بأن عنده ما يعطيه وأن حبيبه سيسخر حين يفقده؛ الشاعر بتفرده في سروره وشجوه على السواء، وكأنما هو من عنصر غير عنصر البشر الذين يعج بهم الكون، وتهفو قلوبهم إلى هذا الحبيب، ولو شاركوه في هواه، فمن لهم بقلبه في شجوه ورضاه؟
وغير العقاد يقولون لأحبائهم: إنكم لن تجدوا إخلاصاً كإخلاصنا، ولا تضحية في سبيلكم