للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[يوم ٢٦يوليو]

بمناسبة مرور شهر عليه

للآنسة نعمات أحمد فؤاد

ودنت ساعة الخلاص وكانت مصر بشعورها ولكن قلبها كان يهتز. كان يخفق فرحا بقرب إعلان مولد الفجر الجديد، وكان يضطرب إشفاقا خشية أن يكون أسرف في التفاؤل والأحلام. . وعاشت مصر أربعة أيام تترقب وتتكهن القدر وتتطلع إلى السماء، تدعوها في صوت مختلج أن تسند وقفتها في وجه الظلم فلا ترتكس، وأن تبارك هبتها في وجه الطغيان فلا اليوم الرابع أطول يوم لأن مصر عاشته لحظة لحظة، وكان أقصر يوم لأن مصر من هول ما عانت قبله، وعظم ما نالت فيه، بدا لها كالحلم السعيد الموشى، قصير الأمد بعيد التصديق.

لقد صبرت حتى شقي صبرها، واحتملت حتى ضاق ذرعها، وكابدت حتى وهى جلدها، وتجلدت حتى رماها الجاهلون ووصفوها بالجمود الذليل، ولكنها كانت تعرف أين تضرب ضربتها ومتى، كانت تدبر لها بحكمة السنين، ثم نفذتها بعزم الفراعين الجبابرة، ومضت إلى غايتها في استبسال المستميت. ثم استمدت ربها العون فأجاب، وفوقت سهمها فأصاب، واستلهمت تاريخها فتبدد من جوها اليأس، وأشرق في أفقها الأمل، وجاشت في صدرها العزة، وسرى في كيانها الشعور بالقوة والكرامة.

في ٢٣ يوليه سنة ١٩٥٢ قالت مصر (لا) مدوية كالرعد، نافذة كحكم القدر. وفي ٢٦ يوليه سنة ١٩٥٢ أصدرت مصر أمرها فطأطأ الطغيان رأسه، وأعلنت مصر كلمتها فخفض الاستبداد صوته، وفي ٢٦ يوليه سنة ١٩٥٢ فتحت مصر بابها فخرج الظلم إلى غير رجعة. ودهش العالم، وابتسم القدر، وسجل التاريخ، وهتفت الوطنية.

في ٢٦ يوليه سنة ١٩٥٢ خرج الظلم وانكمش أعوانه متضائلين بعد أن عاثوا الفساد وأشاعوا الفوضى، وأرهقوا بالبؤس، وحرمونا من الخير، وأذلونا بالاضطهاد، وقتلوا بالعنت والكبت، واعتصروا دمائنا ليريقوها في كؤوسهم خمرا، وما حسبوا أن الله لهم بالمرصاد وأن وراء الخمر أمرا.

في ٢٦ يوليه سنة ١٩٥٢ طردت مصر الظلم واكتفت بهذا فلم تنكل به كما نكل بفلذات

<<  <  ج:
ص:  >  >>