أكبادها، لم تودع في صدرها الأثيم الرصاص الذي أودعه صدور بنيها في فلسطين ليزداد ثراءهم لقد قبض ثمن أرواحهم حين أبتاع لهم الأسلحة الفاسدة ليضاعف خزائنه. . كانت مصر جبارة في غضبتها، ولكنها كانت كريمة في عفوها مع القدرة، النبيلة في صفحها مع غصة المرارة من الدم المسفوح. . . إن وطني صانع المعجزات، أن التاريخ القديم والحديث ليس فيه صفحة واحدة لشعب عفا عن طاغية استبد به واستهتر بكل القيم كما عفا شعب مصر.
لقد بكى قلبي مع الكثيرين من قومي عندما أعلن البشير خلاص مصر من ربقة البغي والطغيان، ولكن دموعنا هذه المرة طفرت من الفرح بالنصر المبين، وطالما سكبناها في مصارع ضحايانا فما تحدرت من مآقينا حتى اختلطت في بحر الدموع والعرى بلوعات الثكالى وزفرات اليتامى، وأنين المجهودين والحيارى ومن تقطعت أنفاسهم في منتصف الطريق.
اشتدي أزمة تنفرجي
نعم لولا تفاقم الخطب لما نفذ الصبر، ولولا اشتداد الكرب لما انفجر الصدر، ولولا توالي لذعات الألم لما فاضت الكأس.
لقد أكرهنا على أن نقدم ما نزرع ليتخموا ونجوع واغتصبوا الضرائب التي ندفعها باسم مخصصات ومرتبات يكدسونها أكواما من النضار عاما بعد عام دون أن تنقص لأنهم مكلفون مع هذا أن تتحمل تكاليف طعامهم ولباسهم ومركباتهم ونزهاتهم وأسفارهم وولائمهم وزينات أفراحهم، حتى إذا ضاقوا ذرعا بالمال كما نضيق ذرعا بالعدم بعثروه في سفاهة على الموائد الخضراء وفي الليالي الحمراء، حتى إذا طلع النهار اتخذوا سمات الصالحين فغشوا المساجد، وأداروا حبات المسبحة. وبلغت السخرية مداها حين زعموا. . . زعموا اتصال نسبهم بنبي المسلمين!
ويرى الشعب هذا ويسمع به وينتظر ويتحرق ولكن البغاة الذين أغراهم صبره وغرهم حلمه، أضافوا إلى صفحاتهم السود صحائف من الغيلة وانتهاك الأعراض والعبث بدستور البلاد وقوانينها. فخرج الاحتمال عن طاقة الإباء، وكبر الجرم حتى ضج به الحلم، وطاح معه الصبر فكان الانفجار.