في يونية ١٩٤٥ كنت قادما من بور سعيد إلى القاهرة، وكان يرافقني أحد الزملاء الكرام ورجل إنجليزي كان يرتدي الثياب المدنية ومعه حقيبة مكتوب عليها بيروت، وكانت بيروت ودمشق تثيران اهتمام العرب كافة، والمصريين خاصة، وتشغلان القلوب بما كان يجري فيها من حوادث مروعة إذ ذاك.
ذلك أن فرنسا لم تكد تتحرر من الاحتلال الألماني حتى جاءت بجحافلها إلى الشرق تحاول أن تسترد نفوذها في سوريا ولبنان وأن تقضي على استقلالهما، وانطلقت طائراتها تضرب الآمنين من سكان بيروت ودمشق في غير إنسانية ولا رحمة، الأمر الذي أثار ثائرة الرأي العام الشرقي عامة والمصريين خاصة. وسط هذه الحوادث والفواجع كان التقائي بالرجل الإنجليزي.
ولم نلبث أن تجادلنا أطراف الحديث فقلت له:(أيرضيك ما تفعله فرنسا في بيروت ودمشق؟ إن فرنسا كانت تبكي على حريتها منذ حين، فما بالها تقتل الحرية في غير بلادها، ولم تروع الآمنين في ديارهم؟ إن الشرقيين لم يقفوا من قضية الديمقراطية موقفا عدائيا طوال الحرب، بل قدموا للحلفاء ما استطاعوا من مساعدات! فهل يكون هذا جزاؤهم؟).
ولكن الرجل لم يجب وأنتقل إلى موضوع أخر:(أكنتم تقفون حقا في صف الديمقراطية؟) قلت: (بلى) قال: (فلم قتل رئيس وزرائكم؟ (المغفور له أحمد ماهر باشا (، قلت: (إن هذه جريمة فردية ولا تؤخذ أمة بجريمة فرد، والدليل على صدق ما أقول أنه لم يوجد للقاتل شركاء)
وانتقل الرجل إلى حديث آخر قال (أعندكم نظام برلماني سليم؟ أتجرى انتخاباتكم كما يجب أن تجرى الانتخابات؟) قلت له: (مهلا. إن كان في نظامنا البرلماني بعض الهنات فإنها ستصلح سريعا وسنتغلب عليها إن شاء الله) ثم استأنفت حديثي قائلا: (إن نظامكم