للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[البريد الأدبي]

بين الدكتور زكي مبارك وصديق له

رأيت في الرسالة الغراء كلمة وفاء ورثاء يفي بها الدكتور مبارك لفرنسا، ويرثو لما أصابها. وجميل بالرجل أن يكون وفياً رقيق القلب، ولا سيما في مثل موقف فرنسا ونكبتها التي حلت بها من انحلال الأخلاق واللهو واللعب مكان الرجولة والتضحية، كما قال المارشال بيتان، وهذا من أعظم مواضع الرثاء والأسف

وقد أعجبني من صديقي مبارك أنه متفق مع الجميع في التأثر والألم لما أصاب مدينة النور (باريس الجميلة) فإن لكل متعلم في باريز عهداً لا ينسى ذكراه. وللمدينة الخالدة (باريس) فضل على كثير من الشرقيين والغربيين لا تبلو جدته

غير أني رأيت الدكتور يرد على صديق عاتبه في الإفراط بمحبة فرنسا، بينما فرنسا الدولة المستعمرة التي أرهق استعمارها عشرات الملايين وإخوان زكي مبارك

ورأيت الرد خلط بين أمرين كان يجب التفريق بينهما

الأول: فرنسا العالمة مبعث النور والحرية ومهد الاختراعات

الثاني: فرنسا المستعمرة بكل ما في معاني الاستعمار من استبداد وفي الحالة الأولى يجب على كل إنسان أن يحب فرنسا ويرثى لنكبتها

وفي الثانية على كل حر في العالم وكل من ذاق استعباد فرنسا في مستعمراتها ألا يجزع لما حل بها

نعم، إن الشماتة لا تليق بالرجال ولكن حب الانتقام، ولا سيما في المظلوم من الغرائز البشرية التي اعترفت بها الشرائع والقوانين، وهي صفات إذا فقدتها الجماعات والأمم أصابها هذا الانحلال. . .

فالإنسانية تتألم لفرنسا والحرية تبكيها، والأمم التي أصابها ظلم فرنسا تصمت أمام انهيار السياسة الفرنسية، وتعد انهيارها نذيراً لكل أمة تظلم الإنسانية أيّاً كان مذهبها وملتها

فالأولى بالصديق مبارك أن يفرق بين فرنسا وفرنسا؛ وعندها ينصف نفسه وينصف من يعتب عليه

(صديق)

<<  <  ج:
ص:  >  >>