للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[فريزر ودراسة الخرافة]

للدكتور إبراهيم بيومي مدكور

خطت الدراسات الاجتماعية في الخمسين سنة الأخيرة خطوات فسيحة: فاتسعت سبلها، وتعددت فروعها، وتشعبت مناحيها، واستطاعت أن تثبت أن لها - كسائر العلوم - موضوعاً محدداً، وطرقاً معينة، ومبادئ ثابتة، ولا تكاد توجد مادة برهنت على خصبها برهان هذه المادة؛ كما لا يكاد يوجد علماء خلقوا فناً بأسره في مدى قصير مثل علماء الاجتماع المحدثين. فإن جملة ما كتبه أفلاطون وأرسطو في العصور القديمة، وما دونه المؤرخون وعلماء الجغرافية في القرون الوسطى لا يصح أن يسمى اجتماعاً بالمعنى الصحيح، ولا يحوي أراء علمية ناضجة. ولا ننكر أن عصر النهضة القي شعاعاً من الضوء على العلوم الاجتماعية ولفت الباحثين إلى فلسفة التاريخ ومقارنة الشعوب بعضها ببعض، وقد بدا أثره الواضح في القرن الثامن عشر إذ ظهرت مؤلفات مونتيسكييه وفولتير وروسو. ثم جاءت الثورة الفرنسية التي قلبت النظم المألوفة رأسا على عقب واستبدلت بأساليب الحكم والسياسة العتيقة طرقاً مستحدثة، أنتجت بهذا ثورة أخرى في الأفكار والآراء الاجتماعية كان من أبطالها سان سيمون وأوجست كونت. بيد أن تكوين علم الاجتماع في شكله الحاضر يرجع إلى أخريات القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. فمدرسة ميل وسبنسر في إنجلترة، وفونت وفجنر في ألمانيا، ودركيم وليفي بريل في فرنسا، وأعمال السائحين والرحالة من إنجليز وأمريكان وألمان أضافت إلى هذا العلم ثروة طائلة، بل خلقته من عدم

لم تقنع هذه المدارس بطريقة واحدة، ولم تقف في بحثها عن حد. فلجا

بعضها إلى تاريخ يشرح به ما غمض من أعمال الجمعية وأقوالها،

واحساساتها، وعقائدها. واتخذ بعضهم من الإحصاء والتعداد وسيلة

لتوضيح الظواهر الاجتماعية واستنتاج القوانين المسيطرة عليها. وأبت

طائفة إلا أن تصعد بالاجتماع إلى مستوى العلوم الواقعية فبنته على

المشاهدة والملاحظات الدقيقة. لذلك عمدت إلى دراسة الشعوب الهمجية

<<  <  ج:
ص:  >  >>