للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[دعوة الرسالة إلى تجديد الدين والأزهر]

للأستاذ محمود أبو رية

لما قرأت مقالكم الممتع (فقهاء بيزنطة) في العدد ٣٥٢ من الرسالة، أعجبني أيما إعجاب ما وصف قلمكم البليغ من الأمور التي يجادل فيها مشايخنا فشغلوا الناس بها، وأوقعوا الفرقة بينهم من أجلها؛ ذلك بأن من يطلع من أهل البصر على أكثر أبحاث شيوخ الدين عندنا ومجادلاتهم، سواء أكان ذلك في مجتمعاتهم أم على صفحات مجلاتهم لا يصدق أنهم يعيشون في هذا العصر، أو أن الدين الذي ينتسبون له ويناقشون في مسائله هو الدين الإسلامي الذي جاء به محمد (ص). ولكني - ولا أكتمك الحق - قد وقفت عند جعلكم البحث في أمر تسوية القبور أو إقامتها من هذه المباحث البيزنطية، لأن هذا الأمر إنما يتصل بأصل الدين الإسلامي وهو (التوحيد) الذي هو أصل رسالة محمد (ص) وقاعدة دينه، بل هو أول ما يدعو إليه كل رسول بقوله: (اعبدوا الله مالكم من إله غيره) وذلك بأن يعبد الله وحده ولا يعبد غيره بدعاء ولا بغيره، وروح التوحيد كما لا يخفى على كل مسلم صحيح الإيمان، هو إخلاص العبادة لله تعالى والاستعانة به والتوكل عليه والنذر له، وما نكب المسلمون بشيء نكبتهم بالقبور المشرفة والأضرحة العالية فقد أصابتهم من نواح كثيرة في دينهم ودنياهم. أفسدت عقائدهم فأصبحوا كما قال الله تعالى: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون)، وأذهبت أموالهم فيما لا خير فيه ولا نفع منه وذلك بما يبذلونه في إقامة القباب ورفع الأضرحة؛ وشلت قواهم، وكبلت هممهم، وهذه الناحية هي أشد ضرر اجتماعي ضرب في مفاصل الأمة، ذلك بأنهم قد تركوا الأسباب التي من كسبهم ودابروا سنن الله في عملهم، تلك السنن والأسباب التي أخذت بها الأمم، فكانت سبب نهوضها ومرقاة سعادتها. أرتكنوا على أصحاب هذه الأضرحة ليقوموا بشؤونهم ويقضوا من حاجهم حتى صرنا في ساقة الأمم لا حول لنا ولا قوة، ورحم الله حافظ إبراهيم في قوله يخاطب الأستاذ الإمام محمد عبده:

إمام الهدى إني أرى القوم أبدعوا ... لهم بدعاً عنها الشريعة تعزف

رأوا في قبور الميتين حياتهم ... فقاموا إلى تلك القبور وطوفوا

وباتوا عليها جاثمين كأنهم ... على صنم الجاهلية عكف

<<  <  ج:
ص:  >  >>