للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الحرب الخاطفة في الحروب النبوية]

للأستاذ عبد المتعال الصعيدي

يتردد في الحروب الحديثة أسم (الحرب الخاطفة). على أنها مما ابتكره قواد هذا العصر في أساليب الحرب. واخترعوه في نظام القتال، فهي منقبة من مناقبهم، ومفخرة لهم لم يسبقهم أحد إليها، وليس هذا من الحق في شيء، لأن نبينا الأعظم محمداً صلى الله عليه وسلم هو الذي ابتدع هذا النظام في القتال، وكان عنده سنة متبعة في حروبه، وتقليداً يأخذ به في الهجوم على أعدائه، لأن هذا النوع من الحرب لا يكون إلا في الحروب الهجومية، فهي التي يمكن أن يؤخذ فيها العدو على غرة، وأن يقتحم عليه داره قبل أن يستعد للقتال، فيستولي عليه الدهش، ويأخذه الرعب والخوف، ولا يكلف الجيش المهاجم عناء في القتال، ولا تضحية في الجنود، ولا يشتري النصر فيه بالثمن الفادح، ولا ينال بالدماء الغزيرة، فتشابك الفرح فيه بالحزن، ويعكر صفوه الثمن الفادح الذي اشترى به.

والحرب تتبعها حروب، فإذا لم يقتصد القائد في دماء جنوده وإذا لم يختر الأسلوب الذي يشتري فيه النصر بأقل ثمن، وإذا جازف بدماء جنوده ولم يحسب للمستقبل، لا يلبث أن يأتي عليه يوم تنهك فيه قواه، ويخسر ما ربحه من النصر في حروبه.

ولهذا كله آثر النبي صلى الله عليه وسلم هذا النوع من الحروب، حرصاً على أصحابه أن تستأصلهم تلك الحروب المتوالية، وكانوا بين أعدائهم كقطرة في بحر، وكان لهم أباً رحيماً، وصاحباً رؤوفاً (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عَنِتُمْ حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) ولم يكن بالقائد الذي يرى أن يأمر فيطاع، وينظر إلى جنده نظرة الرئيس إلى المرؤوس، ولا نظرة الأب الرحيم إلى أبنائه، والصاحب الرؤوف إلى أصحابه.

ولا غرو أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم مبتدع هذا النوع من الحرب، لأنه كان يجمع العظمة كلها في شخصه الكريم، فكان الرسول الأعظم بين الرسل عليهم الصلاة والسلام، والقائد الأعظم بين قادة الجيوش، والبطل الأعظم بين أبطال الحروب، والمصلح الأعظم بين رجال الإصلاح، والمشرع الأعظم بين رجال التشريع، بلغ الغاية في كل نواحي العظمة ولم يصل إلى درجته فيها عظيم من العظماء.

وهذه كانت سنته في حروبه كما ذكرها أصحاب السير، ذكروا أنه كان إذا أراد غزوة وَرَّى

<<  <  ج:
ص:  >  >>