للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بغيرها، فيقول مثلا إذا أراد غزوة حنين: كيف طريق نجد ومياهها؟ ومن بها من العدو؟ ونحو ذلك

وكان يقول: الحرب خدعة.

وكان له عيون وأرصاد بين أعدائه يأتون بأخبارهم أولا بأول، فإذا بدرت منهم بادرة حرب كان خبرها عنده قبل أن يتهيئوا لها، وإذا بجيشه قد أتاهم من حيث لا يشعرون، وأحاط بهم من كل ناحية، وكان يستحب القتال أول النهار وهم لا يزالون في غفلتهم فإذا لم يقاتل أول النهار أخر القتال حتى تزول الشمس، وتهب الرياح، فيأوي السكان إلى منازلهم، ويأخذهم أيضاً في هدوئهم وغفلتهم.

وتلك هي الحرب الخاطفة بعينها، وذلك هو أسلوبها الآن في الحروب الحديثة، وأسلوب المفاجأة، ومداهمة بلاد العدو وهو في غفلة، وإخفاء مقصد الجيش الهاجم حتى يصل إليه قبل أن يعلمه أحد، والتهويل في قوته حتى يملأ الرعب منه كل نفس، ويأخذ الخوف منه قلوب الأعداء.

ومن أظهر الحرب الخاطفة في الحروب النبوية حرب الفتح الأعظم، وهو فتح مكة موطن المسجد الحرام، فقد أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذها بحرب خاطفة يباغتها فيها مباغتة، ويدركها قبل أن تحشد له الجيوش، وتجمع له حلفاءها من القبائل، فيستو لي عليها من غير أن يقيم فيها حرباً، أو يسفك فيه دماً من أصحابه أو من أهلها، لأنها بلد مقدس لا يحل فيها سفك الدم إلا بقدر الضرورة، وفيها الكعبة، والمسجد الحرام، والحرب إذا اشتدت قد تصيبها بتخريب أو ضرر.

فتجهز النبي صلى الله عليه وسلم للسفر، ولم يخبر أحداً بقصده إلا أبا بكر رضي الله عنه، ووضع حراساً على رؤوس الطرق الموصلة إلى مكة، ي سألون من يسافر فيها عن مقصده وغايته مبالغة في الاحتياط، وقد كان لأهل مكة جواسيس وأنصار في المدينة من المنافقين، فوضع الحراس على تلك الطرق حتى لا يمكن أحداً منهم أن ينقل خبر الاستعداد لهم، فلم يكن يؤذن بالسفر فيها إلا لمن يوثق فيه من المؤمنين المخلصين، ومن لا يرى أنه جاسوس إذا سافر فيها واصل السفر إلى مكة، وقد أقام النبي صلى الله عليه وسلم عمر عنه مراقباً على أولئك الحراس، يتعهدهم وقتا بعد وقت، حتى يقوموا بحراستهم على أكمل

<<  <  ج:
ص:  >  >>