وجه، ولا يغفلوا عنها أو يتساهلوا فيها، وقد اختير عمر لذلك لما عرف عنه من شدة واليقظة، والإتيان بتلك الحراسة في غاية ما يكون من الدقة.
وقد قام الحراس بما عهد إليهم خير قيام، ولم يمكن أحداً من جواسيس قريش في المدينة أن يفلت منها إلى مكة، الهم إلا جاسوسة واحدة كانت جارية لحاطب بن أبي بلتعة؛ وكان من المؤمنين المخلصين، ولكنه كان له أهل ومال بمكة، فأراد أن يتقرب إلى أهلها ليحافظوا على ماله ووالده فكتب إليهم كتاباً يخبرهم فيه باستعداد النبي صلى الله عليه وسلم للغزو، وأنه ربما يقصدهم به وقد أوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأمر تلك الجاسوسة، فانتدب لها ثلاثة من كبار أصحابه اهتماماً بأمرها، ليدركوها قبل أن تصل إلى مكة، وهم: علي بن أبي طالب، الزبير بن العوام، والمقداد ابن الأسود، فانطلقوا مسرعين حتى أدركوها بروضة حاح، وقاموا بتفتيشها حتى عثروا على ذلك الكتاب في عفاصها، فرجعوا بها إلى المدينة، وقضوا على هذه المحاولة التي أفلتت من تلك الحراسة.
وتم تجهيز الجيش الذي أعده النبي صلى اله عليه وسلم لفتح مكة ولم يعلم أحد ماذا أعد له، وكان عدده عشرة آلاف، ثم سار به حتى وصل مر الظهران، فأمر بإيقاد عشرة آلاف نار، مبالغة في تهويل أمره، وإلقاء للرعب في قلب من يراه ليلاً، وكانت قريش قد بلغها أن محمداً زاحف بجيش عظيم لا تدري وجهته، فأرسلت أبا سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء يلتمسون خبر ذلك الجيش، فلما وصلوا مر الظهران ورأوا تلك النيران قال أبو سفيان: ما هذا؟ لكأنها نيران عرفة: فقال بديل بن ورقاء: هي نيران بني عمرو. فقال أبو سفيان: بنو عمرو أقل من ذلك.
ثم رآهم نفر من حراس المسلمين فأتوابهم النبي صلى الله ليه وسلم فاسلم أبو سفيان، وقد أوقفه عند خطم الجبل، وجعل الجيش يمر عليه كتيبة بعد كتيبة، ليرى عظمته وقوته وحسن نظامه، وينظر من اجتمع فيه من القبائل التي لا تحصى ولا تعد، ويجهز أهل مكة بما رأى من ذلك، فيملأ الرعب قلوبهم ولا يجدوا فائدة في مقاومة ذلك الجيش، ثم قسم الجيش إلى قسمين، وأمر خالد بن الوليد أن يدخل من أسفل مكة من كدى، ودخل هو آمن من أعلاها من كداء، ولم يشعر أهل مكة إلا وجيش المسلمين يحيط بهم من كل جانب، وأصوات الأمان تتجاوب من هنا وهناك: من دخل داره وأغلق بابه فهو آمن، ومن دخل