للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الوادي]

للشاعر الفرنسي لامرتين

إن قلبي المكلوم، المتقطع رجائه حتى من الأمل، لن يزعج الأقدار بعد الآن بابتهالاته كما كان يزعجها من قبل.

ولكن أيها الوادي، يا مأواي في أيام طفولتي، أفسح لي مجالا (ولو ليوم واحد) فأعيش في ربوعك في انتظار المنون.

ها هي ذي الطريق الضيقة المؤدية إلى ذلك الوادي المظلم:

هنا، في أحضان هذه الروابي، تقوم أشجار تلك الغابات الكثيفة، فترسل ظلها على وجهي الشاحب، وتحوطني بسكون مسكر.

وهناك جدولان يسيران تحت (جسور) من الأعشاب المخضوضرة، فيرسمان في انسيابهما تعاريج الوادي ومنحدراته، وتراهما بين الفينة والفينة، يمزجان تموجاتهما الفضية بألحان خريرهما العذبة، ثم يتلاشيان قريبا من المنبع، بعيداً عن أعين الناس.

وأيامي في انسيابهما أشبه بهذين الجدولين! فهي تمضي وتتلاشى دون أن يشعر بها الناس، ودون أن تحدث ذلك الخرير العذب! أما نفسي الكئيبة الملتاعة فهيهات أن تعنى بحياة يوم جميل من أيام حياتي.

إن خمائل الوادي الفينانة، بظلها المخيم، دفعتني لقضاء النهار كله على ضفاف جداولها، فنفسي الحساسة تغفو على أنغام خرير المياه، كما يغفو الطفل في مهده على صوت المناغاة.

هناك تحوطني الطبيعة بأسوار من العشب الاخضر، وبأفق محدود، لكنه فسيح لناظري.

إنني أحب أن اثبت قدمي، وأن أبتعد عن الناس لأسمع خرير المياه، ولأتمتع برؤية السماء.

لقد رأيت في حياتي أموراً كثيرة، وشعرت باحساسات جمة، وملأت أيامي عشقا. والآن جئت أستوحي الطبيعة في هدوئها الشامل.

أيتها الأماكن البهيجة الجميلة! كوني لي تلك الضفاف التي ينسى الإنسان بقربها كل شيء، فقد أصبح سر سعادتي في النسيان.

<<  <  ج:
ص:  >  >>