خرج من منزله بظاهر المدينة لبعض شأنه، فمر بخيام لبنى كعب فاستسقى، فبرزت إليه بالماء ابنة شيخ القبيلة، وسيد الحي، الحباب الكلبي، فما كذب أن سبقت القطرة الأولى التي أطفأت حر ظمئه، النظرة الأولى التي أشعلت دمه، وأججت في فؤاده ذلك الهوى المبرح، والتي أصابت روحه بهذا الظمأ، بل بذاك السعار. . . إلى العيون النجل، والفم الباسم، والوجه المغازل، والقد الفاره، والصبا المجتمع، والجمال الفينان!
ومضى قيس وقد أبرمت عيناه وعينا لبنى الوثيقة المقدسة بين قلبيها الخاليين، في تلك السرعة الخاطفة التي لا تكون إلا بين العيون والعيون!
ثم تعدد اللقاء، وصرح الحب، وغنت البيد بالهزج الحلو الذي كان يرسله قيس من أعماق قلبه شعراً موجعاً حزيناً
ومضى قيس إلى أبيه، ذريح بن ليث بن بكر، فباح له بحب لبنى وسأله أن يخطبها عليه، فأشاح ذريح، وأشار على ولده بخطبة إحدى بنات عمه، فهن أولى به. . . وكان ذريح ذا مال واسع وثراء ضخم، ولم يكن له ولد غير قيس، فخشي أن يدخل في ماله ناس ليسوا من أهله. فانطلق قيس إلى أمه يستعين بها على أبيه؛ غير أنه كان كالمستعين على الرمضاء بالنار، فانطلق إلى أخيه في الرضاع، الحسين بن علي، وكان معه ابن أبي عتيق، فشكا إليهما بثه، فطمأنه الحسين، وانطلقا به إلى الحباب والد لبنى فخطباها منه على قيس، فنسى الرجل تقاليد البادية إكراماً لفخر شباب الجنة، وإجلالاً لابن بنت رسول الله، ولم يشترط شيئاً إلا أن يسعى إليه ذريح والد قيس لتمام الخطبة، حتى لا تكون فضيحة من جراء ما رددته كثبان الجزيرة من أشعار قيس. . . ولم ير الحسين فيما طلب الحباب تعسفاً، فمضى إلى ذريح فأقسم عليه إلا أن يخطب لبنى على ابنه قيس، فخضع الرجل ولان عاصيه، وتمت الخطبة، وزفت لبنى إلى حبيبها. . . وأوى الألف إلى إلفه، ورقأ الدمع وسكن الوجيب، وتهلل وجه الحياة
وغبرت سنون. . . ثم كان ما لم يخش أحد أن يكون! لقد أحزن ذريحا ونغص عليه عيشه،