أن لبنى عقيم لا تلد. . . لقد أرسل الرجل عينيه في ظلمات المستقبل الكريه، فرأى ثروته الواسعة تؤول إلى أيد من غير صلبه، فأقسم ليكونن له من قيس ولبنى موقف، وليكونن له في هذا البلاء رأى ومنه مخرج!. . . وإذن فلتبن لبنى. . . وليتزوج قيس فتاة غيرها ولوداً غير عقيم. . . ولتكن الحياة في دار ذريح من أجل هذا جحيماً لا تحتمل، وليشن ذريح وزوجه الحرب الداخلية على قيس وزوجه، وليتهماه بالتقصير والعقوق والانشغال عنهما بلبناه، وليطلبا إليه تطليق لبنى على مسمع منها، فإن أبي فليتسر، وليتخذ من الإماء من يضمن له الولد، فإن أبي فليسلط عليه ذريح عذاباً لا قبل له به
. . . وقد رفض قيس كل هذه الحلول. . . فكان ذريح يخرج وقت الظهيرة فيعرض رأسه للنار التي تصبها الشمس، فإذا رآه قيس أقبل عليه ووقف يظله حتى يفئ الفيء فينصرف. ولما طال هذا الأمر، وكان ذريح يستعين على قلب قيس بدموعه كي يطلق لبنى، ضعف هذا القلب، وفي ساعة من ساعات الذهول أرسل قيس كلمة الطلاق التي كان يشترطها ذريح ليريحه من هذا العذاب الذي استمر عاماً بأكمله!
ولم يلبث قيس أن ذهب بعقله، وانقلبت الحياة في بيت ذريح مأساة لا تطاق. . . ولما انقضت عدة لبنى، أقبل أبوها وأهلها لاحتمالها. . . وحيل بين قيس وبين الإلمام بخبائها فهام على وجهه. . . ثم اتبع رحلها مليا. . . وهنا يقول صاحب الأغاني: وعلم أن أباها سيمنعه، فوقف ينظر إليها ويبكي، حتى غابوا، فكر راجعاً، ونظر إلى خف بعيرها، فانكب عليه يقبله ورجع يقبل موضع مجلسها وأثر قدمها!)
ولم يلم قيس على ما أصابه إلا نفسه
وأشار عليه أبوه بالتقلب في أحياء العرب عسى أن يجد فتاة تسلبه أو تنسيه، فأبى أولاً. . . ثم فعل. . . ورأى فتاة حسناء فسألها عن اسمها فأجابت:(لبنى!) فخر مغشياً عليه، ولما أفاق عرض عليه أخوها الصهر، فقبل بعد طول امتناع. . . فلما زفت إليه زوجه الجديدة لم ينظر إليها ولم يهش لها ولم يدن منها ولا خاطبها بحرف!. . . وأخبره صديق له أن لبنى حينما علمت بزواجه بعدها غمها ذلك وقالت:(إنه لغدار، ولقد كنت أمتنع عن إجابة قومي إلى التزويج فأنا الآن أجيبهم!)
ولم يفتأ قيس يشبب بلبنى ويرسل نفسه في إثرها حسرات يؤجج بها شعراء الحزين الباكي