. . . لئن كانت حادثة الحبشة فضيحة القرن العشرين، فان حادثة فلسطين - إن تمت - فضيحة الدهر، وعار يلحق كل من يقول: أنا إنسان. . .
بيد أن الحبشة إن غلبت بملايينها وسلاحها وجيوشها، فان هذا الشعب الأعزل الذي لا يبلغ المليون الواحد لن يغلب على أرضه أبداً، لأن وراءه سبعين مليوناً من العرب، إن وراءه أربعمائة مليون من المسلمين، إن وراءه ألف معركة منها أجنادين واليرموك وحطّين، إن وراءه القرآن الذي يقول عن اليهود:(وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ واَلمْسكَنَةُ وبَاءُوا بِغَضَبٍ منَ الله) صدق الله العظيم؛ وكذبوا. . . إن الذليل لا يعز، والمسكين لا يملك، والمغضوب عليه لا يفلح أبداً!
إن حادثة فلسطين لو تدبرها العقل، وفهمها على وجهها لما رآها إلا. . . (جريمة): أبطالها طائفة من اللصوص، وشرذمة من الحرّاس، لصوص يتسورّون الدار ليطردوا صاحبها، ويحتلوها ويشردّوا أهلها، وحراس يعينون اللص على المالك وينصرون على الحق الباطل. . .
ولكن الجريمة لن تتمّ: إن الأسد في العرين، وربّ الدار يعرف كيف يحمى الدار. . . فيا أحفاد كعب بن الأشرف، وسلاّم بن أبى الُحقيق، وعصماء وأبى عَفْك، نحن أبناء محمد بن سلمة، وعبد الله بن عتيك، وعُمَير بن عدىّ، وسالم بن عمير. . . فإذا أغنى عن أجدادكم - إذا هم كانوا أجدادكم حقاً - إذا أغنى عنهم مالهم، أو دفعت عنهم حصونهم، أو نفعهم حلفائهم، وما حزّبوا علينا من أحزاب، أغنى ذلك عنكم:
(هوَ الذي أَخْرَجَ الّذينَ كَفَرُوا منْ دِيارِهمْ لأوّلِ الحشْرِ مَا ظَنَنْتمْ أَنْ يَخرُجُوا وظَنّوا أَنّهُمْ ما نِعَتُهُمْ حُصُونُهم من الله. فأَتَاهُمُ الله منْ حيثُ لم يحتسبِوا وَقَذَف في قلوبِهِمْ الرُّعْبَ يُخْرِبون بُيُوتهم بأيديهم وأَيدي المؤمنين. فاعْتَبروا يا أُولي الأبْصار)
ولئن اشتدت اليوم المصيبة وعظم الخطب، فقد كانا يومئذ أشد وأعظم، يوم قامت أوربة كلها على قدم وساق، ثم سارت إلينا بقضها وقضيضها، يحدوها التعصب الأعمى، وتسوقها عصا البغضاء والحقد والعداوة الدينية، فأفسدت البلاد وعاثت في الحرم، حتى إذا ظنت