أبكيك اليوم يا خالي في يوم ذكراك وكأنني فقدتك في أمسي القريب، وأتوجع عليك بعد عام في مرارة القريب وآسى الحبيب فلا أدري أحدثك عن نفسك - وأنت أشد الناس عداوة للحديث عن نفسك. أم أنقل إليك أخبار وطنك وأنباء أمتك - وأنت أحرص أمة محمد على أرض الرسل ومسرى الأنبياء، وأشد الناس فخرا بخير أمة أخرجت للناس. . . فيبكيك حديثي، ويشجيك نواحي وأنيني، ويزعجك في مثواك الأخير صيحات بلدك الممزق، وأمتك المشردة، وتراثك الضائع، وأملنا المفقود!!
كيف أبكيك وما عرفتك إلا جبارا في جميع نواحي حياتك؛ إن تحدثت خرجت كلماتك كالقذائف من أعماق نفسك، وإن خطبت - ما عرفتك خطبت - إلا بكيت وأبكيت. وما سمعتك تحدثت إلا أثرت وتأثرت، وما قرأت لك إلا تمثلتك أحد الصحابة في إيمانك وصوفيتك، وما من مرة ورد ذكرك على لسان الناس إلا رجعوا بذاكرتهم إلى عصر النبي وأيام الجاحظ وأبي عبيده والمبرد وصفوة الأدب الخالد. . . يتجسرون على بحور العلم وقد مسها الجفاف، وموسوعة الأدب والعبقرية وقد احتواها - ويا أسفي - التراب!!
هذا حديثي إليك بل بكائي عليك على صفحات رسالة صاحبك إمام النثر كما كنت تدعوه. وهو يسألني عن (النقل) فلا أجده، وعن الحديث فلا أسمعه، وعن المجلس فلا نبصره، ثم نفتقدك في أيام الشتاء - أيامك في قاهرة المعز - فنجدمكانك المعتاد وقد أقفر من الصحب والخلان، وزوارك العارفين والمعترفين وقد تخلفوا عن الركب وانقطعوا عن الزيارة، وما زالوا في دهشة من أمرك، وحيلة من مصيرك، يسألون ويتساءلون: - كيف. .؟ كيف تخلفت، وكيف غبت، وكيف انقطعت يا أعز الراحلين.؟!
إن قلبي ليبكيك بلسان الكثيرين من تلاميذك وزملائك وقد عشت لهم مخلصا ومتفانيا في أدبك، وجاهدت في سبيلهم بجهادك القوى في سبيل المعرفة، ومشيت معهم نحو دنيا النور والعلم فما كلت لك عزيمة، وما وهنت لك إرادة، وما عرفت معنى للضعف وأنت تصل الليل بالنهار في دراستك وأبحاثك متنقلا بين القاهرة (موئل العرب والعربية) وبيروت