(وبيروت مدينة تهذيبي) وحلب الشهباء بلد صديقك إبراهيم (سلام على إبراهيم)! وبغداد حصن السعدون (وأمة منها السعدون لن تموت)! وكنت في كل أطوار حياتك المثل الأول لمن يحيا في سبيل فكرة - فكرة محمد ولغة محمد! ولمن يجاهد في سبيل مبدأ - مبدأ العرب والعربية. وهذه الإشارات تملأ أرجاء قصرك - (يا محمد.!!) وهذه الآيات البينات تزين أسوار بيتك - (أنا عبدك ورسول الله.!) وهذه الضعف في كبرياء القوى وهذه القوة في تواضع المسلم وهذا الإخلاص للغة الكتاب (أنا عبدها. . أنا عبدها. . . أنا عبد كل عبد يسود بعبديتها) وهذه تراثك في محمد ولغته ورجاله وهذا (إسلامك الصحيح) و (بستانك) و (كلماتك) و (نقلك) و (خطبك) وكل ما كتبت ونقلت وصححت وراجعت الدليل الصادق على أنك عشت وما عشت إلا لإسلامك، وعملت وما عملت إلا للغتك ولغة نبيك!
نشأت ثائرا على الدنيا وأنت وحيد أبويك فثرت عليهما وعلى الأهل والقربى. وترعرعت بين الخير والنعيم فدفعته بيديك ورغبت عنه لتشبع نفسك بصوفية الأقدمين، وزهد المؤمنين، ومشيت في خطوات الحياة لا أنيس لك إلا الشاعر أو ديوانه، ولا جليس معك لا الكاتب أو رسالته، ولا شاغل لديك إلا البحث والدرس واستقصاء والتحقيق، فحرمت نفسك الزوج والولد بعد أن حرمت والديك لذة الحرص على صحتك والعناية بنشأتك والفوز بقوتك، وكأنك أردت لنفسك طريقا خاصا في أسلوب حياتك، ونسجت لذاتك منوالا فذا في جوانب تفكيرك، فكنت كما عرفك الناس، فريدا في أسلوب أدبك، وحيدا في تصوير خطك، ذليقا - في عفة - لسانك، ثائرا في انفعالات عواطفك وأعصابك، متوقدا في ذهنك وتفكيرك، بسيطا في ملبسك، منطويا على نفسك البريئة، وروحك العذبة وقلبك الذي ما خفق إلا بالحب والوفاء. هكذا نشأت، وهكذا ترعرعت، وفي سبيل هدفك صرفت وضحيت.
وبيتك كعبة الحجاج من أخل الفضل الفضيلة، ومجلسك قبلة الأنظار من أهل العلم والمعرفة، وأنت. . أنت الروح في كل مجلس، وأنت الحجة في كل حديث، وأنت المتمكن من كل قول، وأنت الرقة في كل سمر، وأنت الراعي لكل تراث! أين أنت؟ ولمن خلفت عزك وعزيمتك؟ ولمن تركت (رسالتك) ونقلك)؟ ومن أولى منك (يا إمام العربية) بتراث العربية؟ وأنت خادمها، وأنت عبدها، وأنت لها، وأنت المدافع في كل حين عنها، وأنت