وعدتك أن أقص عليك حديث الرجل السعيد بخلقه ودينه عسى أن تجد فيه ما يبرد غيظك ويرد حلمك ويقر بالك. وهأنذا اليوم أسوق إليك هذا الحديث على سرده:
دخل علي هذا الرجل وأنا مكب على عمل دقيق حافز، فلم يسعني حين رأيت ما عليه من سمت الوقار وسيما الخير إلا أن أدع ما في يدي وأفرغ له
- نعم يا سيدي
- أنا رجل من أهل. . . قرأت ما كتب في الرسالة عن الأخلاق ونكولها أمام الغرائز الوصولية في الإنسان، فسأني وأيم الله أن تشتبه المعالم حتى يضل الهادي، وتعترك الظنون حتى يشك المؤمن. وليس لي قلم أضعه بين هذه الأقلام فيدلها على موضع الحق أو يعينها على مقطع الحكم، فآثرت أن أشخص إليك لأكون أمامك مقالاً حياً يقرر، ودليلاً ناطقاً يؤيد
وفي الحق أن الرجل كان في بزته العربية المهندمة، ولهجته الطبيعية المتزنة، كأنما ينطق عن وحي الفضيلة العليا. فقلت له: أتظن أن الفاضل ينجح بمحض فضله في هذا العصر الآلي الأصم؟
فقال: لا أظن، وإنما أعتقد؛ ولا أنكر مع هذا الاعتقاد أن الفضيلة وعرة الطريق، وأن الخير صعب المرتقى. وفي قول الرسول الكريم:(حفت الجنة بالمكاره)، و (القابض على دينه كالقابض على الجمر) ما يصدق ذلك. ولكن الفضائل تعليم وتعويد ورياضة؛ فإذا أوف غرسها في النشء، وضعف أثرها في المجتمع، دل ذلك على فشل التربية لا على فشل الفضيلة.
أنا رجل واسع الثراء سابغ النعمة؛ وقد جمعت مالي الوفر من ذلك الطريق السوي الذي ألزمني إياه أبي منذ الصغر؛ فليس في نصابه قرش زائف ولا متر مغتصب. ورثت عن أبي الدين الصحيح على أنه دستور الدنيا، والخلق الصريح على أنه جوهر الدين؛ ثم زاولت التجارة بالصدق والصبر فاستغنيت، واقتنيت العمائر والضياع فأثريت، وأديت الصلاة فوصلت ما بيني وبين الله، وآتيت الزكاة فأصلحت ما بيني وبين الناس. ثم أحصنت نفسي بالزواج الباكر فوهبت البنين، وعصمت شهوتي من المتع الحرام فرزقت العافية. وطهرت قلبي من الطمع الحاسد والخصام الحاقد فأوتيت السكينة. ثم جهلت البنك