قرأ أربعة رجال من نزلاء مصر خبر الحفلة التي أزمع السوريون إقامتها لتكريم رئيس الوزراء الذي قدم مصر ليشترك في حفلة افتتاح جامعة الدول العربية، فطاب لكل واحد منهم مشاركة مواطنيه في هذا التكريم الدال على أن الاغتراب عن الوطن والانتساب إلى غيره لا يحدان من العاطفة الوطنية ولا يصدان عن الحدب على أبناء وطنهم الأول، بل على العكس، يوقظ حادث كهذا الكثير من خبايا الذكريات الكامنة الحبيبة إلى النفس، خصوصاً ذكريات الطفولة والمدرسة والصبى.
لعل الذين اشتركوا في حفلة تكريم الوزير السوري، كان وجدانهم يضطرب بهذا الشعور أو ما يقاربه من أحاسيس بريئة، إلا أربعة رجال أزعم أنهم اشتركوا في هذا الاحتفال بدافع يخالف تلك الدوافع، ولعلنا لو سألنا كل واحد من هؤلاء الأربعة عن السبب لعجز عن ذكره.
رأيتهم يدخلون قاعة الاحتفال واحداً إثر واحد كأنهم على ميعاد، ولاحظت أنه ما من واحد من أعضاء لجنة الاستقبال التفت إليهم أو خصهم بكلمة ترحيب.
ما كاد أولئك السادة يطمئنون في مجلسهم حتى التفت كل منهم إلى جليسه ثم صوبوا نظرهم إلى فكانت مفاجأة من أبهج مفاجآت العمر وأحلاها، وكان أبهج من ذلك وأحلى أننا نتعانق ونبكى.
كنا أصدقاء، ولعل كلمة الصداقة تعجز عن تصوير الروابط الدموية التي كونت صداقتنا، وقد فرقتنا حوادث جسام ابتدأت في مستهل هذا القرن، ولم ننج منها إلا عقب إخفاق الثورة الدرزية، ولياذنا بمصر هذا البلد الأمين.