للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الجمال في الشعر والحب]

(المرأة)

للأستاذ الحوماني

صاحب مجلة العروبة البيروتية

الجمال وحي الطبيعة يلهمه الشاعر من أبنائها ليكون صلة بينهم وبين المثال الأعلى في حياة. فهو رسول أمة الطبيعة يرسل بنات أفكاره إلى قومه فترفع بيمينها حجاب الغفلة عنهم، ثم تمر بها على أعينهم فتمسح عنها غشاء الجهل، وتقابلهم يسارها بمرآة الحياة فيتبينوا فيها من نفوسهم الماثلة رموزاً تشير لهم إلى مثُل الحياة العليا.

والشاعر ينشد الجمال في كلُّ شيء فيفتتن بكل جزئي منه، ولكنه أشد اقتناناً بما هو إلى الروح أقرب منها إلى المادة، ولا أقرب إلى الروح من هذا يشاركه الشعور بالحياة وينشد معه ذلك الجمال.

يفتن بالمرأة التي هي رمز الجمال التام في الحياة، يفتتن بها للجمال، ويفتتن لها بكل ما في الحياة من جميل يشعر به. فالجمال التام علة لفتنة الشاعر بالمرأة، أما المرأة فهي علة ولفتنته بكل ما يشير إلى هذا الجمال الكلي من جمال جزئي في نبات أو جماد، فالشاعر ينشد الجمال في الحياة ولن يظفر به كما يشاء إلا عن طريق الحب:

وهل المرأة إلا رمز الحب الخالد؟

الشاعر كالطائر يحلق في أفق الجمال، وكما يقع الطائر على الشجرة يفتش عن الثمرة الناضجة ليتقوم بها، حتى إذا بلغها وقف حيالها يداعب الروض من على فننه، هكذا يقع الشاعر على المرأة آلهة الجمال يستلهما الشعر فيشخص إليها وهي بعينه تمر على وجهه بيدها البضة، وتمسح عينيه ببنان يحس روحها من ورائه ترف على أهدابه.

فهو من أجلها (يصعد الرابية)، والقمر يهبط من عليائه، فيفترش الترب، ويتوسد الصخر، يصغي إلى نجيء الكواكب فيستوحي منها الشعر ثم يلهمه الطبيعة؛ حتى إذا تنفس صبحه، وهبط إلى الأودية فهام فيها عائماً في بحر ضبابها ينشد هذا الجمال، وقفت به آلهة الشعر بين الرياض، والصبح لما تخمد أنفاسه، فأحنى على الورد يلثمه، وعلى النرجس يمسح

<<  <  ج:
ص:  >  >>