للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

دمعه، يضع خده تحت الزهرة ويده فوق كبد يكاد يعصرها دمعاً ينحدر على وجناته).

وهو من أجل آلهته تلك (يمسك الماء، ويقبض على الريح، سعياً وراء الجمال في الحياة، وهو هائم به، ولعل الروح التي تخفق بين جنبيه، والشعر الذي يحوم على شفتيه).

يستحيل على الشاعر وهو رسول الجمال، أن يكتم شعوره، فما بينه وبين إبلاغ رسالته إلا أن يشعر، وربما بلّغ هذه الرسالة بدمعه:

وإذا الحزين بكى ولم يك شاعراً ... فالشعر ما نطقت بهِ عبراته

(أو ما تراه، وقد جلس إلى ظل سرحة، أو إلى جنب صخرة، على رابية يراقب منها نزاع الشمس بين يديه المغيب، فتحس كأن شعوره يغيب معها في ظلمات الحزن؟؟؟

وقد يحنو على الزهرة في حر الظهيرة يقيها لفح الهاجرة بنفسه، فكلما ألوى بها الذبول شاطرها جفاف الرونق وشحوب اللون، وربما لصقت بالأرض فغسلها بدمعه وود لو واراها في حنايا ضلوعه).

ذلك هو الشاعر الصامت، لم يخلد بشعره لكن بروحه الشاعرة، ولم يشعر بلسانه لكن بقلبه المتفجر عيوناً تفيض بالدمع على خديه.

يفتن الشاعر في وصف المرأة وتأثير جمالها لا ليعلن هذا الجمال إلى الملأ ولا ليلفت إليه الغافل عنه فحسب، وإنما يريد بذلك إلى تأدية ما حُمّل من أمانة، أن ينادي على جمال نفسه بما أدرك من جمال، ثم ليثبت في نفس السامع ما يحمله على عذر في الهيام به، من أجل ذلك يعمد في وصفه الجمال إلى التفصيل دون الإجمال

فلن تستطيع أن تبث في نفس سامعك دعايةً لهذا الجمال وأنت تجمل في وصفه حتى تأتي على جزيئاته مفتنَّا في إثباتها على مرآة النفس الشاعرة عن طريق القلب.

فليس لقول القائل:

أبصرت دون شعاب مكة مصبحاً ... سبعاً أجزن وكلهن جميل

من التأثير البالغ في نفس السامع ما لقول الآخر:

وتملكت قلبي ثلاثٌ كالدمى ... زهر الوجوه نواعم الأبدان

للفرق بين إجمال الأول وتفصيل الثاني.

وقد يفتن الشاعر في وصف من أحب لمجرد البث والتغلب على اليأس كما يكون للنفس

<<  <  ج:
ص:  >  >>