وقد يشعر بما يحب للشعر، كما قد يحب فيما يشعر للحب وليست ميزة الشاعر في النداء على جمال من يفتن في وصفها وإنما الميزة في إثبات ذلك الجمال في نفس السامع والذهاب بها في اللذة مذاهب تتركها وفقاً على جمال ما تسمع حتى كأنها تنظر إليه وتلمسه وتشمه فتشعر به شعور من وقفها عليه، وليس من ذلك للإجمال يد طولى وهو يمر بالنفس لمحاً بينما الشعر يمعن في تمكينها منه عن طريق التفصيل.
أفلا تبصر بقوله:
بالذي ألهم تعذي ... بي ثناياك العِذابا
والذي ألبس خدي ... ك من الحس نقابا
والذي أودع في في ... ك من الشهدِ رضابا
والذي صير حظي ... منك هجراً واجتنابا
ما الذي قالته عينا ... ك لقلبي فأجابا؟
كيف يهز النفس بما فيه من روعة لم تكن لتتوفر في كلماته لو أجمل فقال:
بالذي أفرغ في قا ... لبك الحسن الُجابا
ما الذي قالته عينا ... ك لقلبي فأجابا؟؟؟
فإن في تعداد جزيئات الجمال في الأبيات الأولى ما يشغل النفس في تصورها، فيثبت فيها جمال الوصف والواصف ثم الموصوف آخر الأمر، وهي في مجموعها مصداق البيت الأول من البيتين الآخرين وهما كما ترى.
تحب في المرأة وأنت شاعر خلاف ما تحبه منها وأنت لا تشعر، فالشاعر يحب المرأة لجمالها الذاتي، وغيره يحبها لجمال ما يحف بها، فقد يعبدها الغبيُّ لما لها، وقد يستغويه ما يمت بها إلى نسب عريق، وربما كان علمها سبباً في أسر هواه، أما الشاعر فلم يكن ليحب المرأة يغمرها المال، ويزهوها النسب، ويسمو بها العلم، وهي بعيدة عن روحه الهائمة بالجمال. ومقياس هذا الشعور شدةً وضعفاً تجده في جمال ما يحب كمالاً ونقصاً.
فلم تستطيع أن تحكم على الشاعر بما يهيم به من جمال، ولكنك، وأنت تحكم عليه، يجب أن تكون شاعراً لئلا يفوتك من أسرار الجمال ما تشعر به وأنت غافل عنه.