للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[ليلى المريضة في العراق]

للدكتور زكي مبارك

- ١٧ -

أمري إلى الحب!

أمري إلى الهوى!

بل أمري إلى الله الذي يقلب القلوب

كانت ليلتي في قطار البصرة ليلة شاتية وما كنت أخذت أُهبتي لمكافحة البرد في قطار البصرة، وهل كنت أعلم أن البرد في قطار البصرة له تواريخ؟

لقد عشت دهري مفتوناً بشبابي، لأني نشأت في أسرة كان أكثر رجالها من العماليق

وكذلك يزين لي الفتون أن أمتطي قطار البصرة في ليلة شاتية بلا غطاء

دخلت البصرة محموماً، دخلتها أهذي هذيان المحمومين

ولكني تذكرت فجأة أن سعادة السيد عبد الجبار الراوي حاكم الحلة كان كلفني تبليغ التحية إلى سعادة الدكتور عبد الحميد الطوخي مدير الصحة بالبصرة، وتذكرت أن هذا الطبيب مصري صقله العراق، وأنا على كل حال أحب المصريين، فقد شاع في بقاع الأرض أني مصري، ومن واجبي أن أحب مصر وفاءً أو رياءً.

ذهبت محموماً للتسليم على هذا الطبيب فكاد يطير من الفرح بلقائي. فقلت له: هون عليك، فما جئت إلا لأبلغك تحية حاكم الحلة، الحلة الجميلة التي تشبه شبين الكوم حاضرة المنوفية

وما هي إلا لحظة حتى نقلني هذا الطبيب إلى حاكم البصرة، والى مدير المعارف بالبصرة، وكان اليوم كله طوافاً بما في البصرة من غرائب وأعاجيب

وعند الغروب لقيني الدكتور عبد المجيد القصاب فقال: ارجع بنا إلى بغداد. فقلت: لا أستطيع. فقال: إنك ستلقي كلمة مصر في تأبين المغفور له ياسين باشا الهاشمي، واسمك في منهج الاحتفال

فقلت: أعرف ذلك، وأفهم قيمة الشرف الذي أظفر به في حفلة يخطب فيها فخامة رئيس الوزراء، وفخامة نوري باشا السعيد ولكني محموم، وما أستطيع أن أعاقر البرد في قطار البصرة ليلتين متواليتين

<<  <  ج:
ص:  >  >>