للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من مذكرات عمر ابن أبي ربيعة]

صديق إبليس

للأستاذ محمود محمد شاكر

(قال عمر بن أبي ربيعة): (لم أزل أرى كلثم (هي بنت سعد المخزومية زوجة عمر) اجزل النساء رأياً وأصلبهن مكسراً، وأقواهن على غيرة قلبها سلطاناً، حتى إذا كان منذ أيام رأيت امرأة قد استعلن ضعفها، وتهتك عنها جلدها، وعادت أنثى العقل يغويها الذي يغريها.

(وإن انس لا انس يوم احتلت عليها حتى دخلت إليها، وقد تهيأت لي أجمل هيئة وزينت نفسها ومجلسها، وجلست من وراء الستر، فلما سلمت وجلست، تركتني حتى سكنت، ثم رفعت الستر عن جمال وجه يخطف الابصار، ثم رمت في وجهي تقول: أخبرني عنك أيها الفاسق! ألست القائل كذا وكذا؟ تعني أبياتاً لي، فما زلت أفتل في الذروة والغارب، وهي تند علي وأنا مقيم عندها شهراً لا يدري أهلي أين أنا، ولا ادري ما فعل الله بهم. ولا والله ما مر على يوم إلا حسبتها امرأة قد خلقت بغير قلب، لما ألقاه من عنادها وامتناعها، وأني لآتيها بالسحر بعد السحر من حديث تحن عليه العوانس المعتصمات في مرابي الزمن، وأنا يومئذ شاب تتفجر الصبوة من لساني، ويتلألأ الغزل في عيني، وهي يومئذ غادة غريزة لو نازعها النسيم، فيما أرى، لاستقادت له من دلها ولينها وغضارة العيش. ولبثت شهراً أقول واحتال واستنزل عصمها برقي السحر، حتى إذا قلت قد دانت، انفلتت مصعدة قد تركتني شاخصاً أنظر إلى صيد قد طار، ثم اطرق ناظرا إلى سحر قد بطل فلما اشتد ذلك على أستاذاتها في الخروج إلى اهلي، وقد يئست منها ومن هواها، فما سمعت حتى قالت: (يمين الله أيها الفاسق! بعد أن فضحتني؟ لا والله لا تخرج أبدا حتى تتزوجني!) فتزوجتها وهي احب النساء إلى أن أتزوج، وما زلت معها وأنا لا أنكر منها شيئاً، وأقول الشعر تأخذه الألسن لتشيعه إلى الآذان، وادخل بيتي فألقاها فلا أسمع منها قلت وقلت! فيكربني إغفالها لما يبلغها من الشعر، فألح على النسيب، واذهب كل مذهب في التشبيب، واتبع النساء بعيني وقلبي، وأقول، فلا والله ما نبض لها قلب ولا تحركت لها جارحة، ولقد ادخل عليها فإذا هي تلقاني ضاحكة لاهية، حتى أقول: لعلها لم تسمع! فأنادي مولاي وأملي عليه، وهي بحيث تسمع ما أملي، وأتخلل الإملاء بالشكوى والحنين وارفع بهما صوتي، ثم انهض

<<  <  ج:
ص:  >  >>