للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القصص]

قصة مصرية

راهبة بلا دير

للأستاذ إدوار حنا سعد

كان ظهور حمدي فجأة في أفق حياة سنية إعصارا مدمرا قلب كل شيء وجعلها تضيق بحياتها وتسأل نفسها فيم إصرارها على العزوبة وفيم تحاشيها للرجال. وأخذت تستعرض صور حياتها التي تجردت من كل ما يبعث النفس البهجة، وأطياف ماض كان حافلا بالأسى والحزن.

إنها عندما ولدت ووطأت قدماها الصغيرتان شاطئ الحياة أقلعت سفينة الموت تحمل أمها بين الراحلين، والذين حضروا ساعة الميلاد ورأوا أضواء الحياة ترقص في عيني الطفلة البريئة وظلال الموت تجثم على وجنتي الأم الشهيدة، أحسوا في بكاء الطفلة رثاء لأمها وندبا لحظ وضع عليه اليتم ميسمه.

غير أن السماء لم تكن قد أرادت بسنية يتما كاملا، فقد أبقت لها أباها العطوف وجعلت من شقيقتها الكبرى (إنعام) ملاكا حارسا يملأ بنور الحنان لياليها ويجمل بزهر العطف أيامها وينسيها ما استطاع مرارة اليتم وشقوة الحرمان. وكانت إنعام تحس - وهي ترعى شقيقتها الطفلة - زهو الأمومة المبكرة وسعادة الوفاء بالجميل نحو أمهما التي كانت دنيا من الشباب والحسن والعطف فلم يبق منها إلا صورة معلقة على جدار، وقبر نائي المزار، وذكرى ما تزال تغدو في خيالها وتروح.

وتوالت مواكب الأيام ومرت على البيت الصغير وسنية سادرة في غي الطفولة وإنعام حالمة أحلام الشباب، وأبوهما منصرف إلى عمله الذي يستغرق سحابة أيامه وصدر لياليه.

وأخذت الطفلة تنمو وتترعرع وبدأت الغشاوة تنجاب عن عينيها وعرفت أن أنعام ليست أمها بل شقيقة وافرة الحنو. على أن ذلك لم يقلل من حبها البنوي لها، بل لعله زاد عنفا واتسع أفقا، وأصبح نوعا من العبادة الصامتة وعرفان بالجميل وأخذ يطغى عليها الشعور بالرغبة في خدمتها وتوفير الراحة لها.

<<  <  ج:
ص:  >  >>