للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[رسالة الفن]

الجمال المصري القديم في النحت

للدكتور أحمد موسى

(سل من شئت من المصريين عن تاريخ مصر الفني، وعما في تراث الأجداد من مميزات، وعن الناحية الجميلة الممتعة فيه؛ بل سل أغلبية الناس في مصر ممن زار أهرام سقارة، وممن تطرف في حب مشاهدة الآثار المصرية وسافر إلى الأقصر، وشاهد معبد الكرنك وطيبة ووادي الملوك والملكات، وتمثال ممنون. . . سل كل هؤلاء عما شاهدوه وعما استفادوه، وعن ناحية الجمال فيما عاينوه، فلا تسمع إلاّ تخبطاً يكاد لا يختلف عما تسمعه من أمي يعيش بجوار هذه الآثار

ثم شاهد مدينة القاهرة - على اعتبارها عاصمة القطر وأهم مدينة فيه - وما فيها من ضروب الخروج على أبسط مبادئ الذوق العام واخطر في أحسن شوارعها يستوقفك شذوذ الانسجام في مبانيها، وظاهرة انحطاط الذوق في كل ما فيها. ثم تفلسف قليلاً لمعرفة السبب في ذلك تجده ولا شك ينحصر في جهل الناس معنى الجمال، ومعنى الذوق، ومعنى الفن. وهم في ذلك سواء، يستوي الجاهل مع العالم، والفقير مع الغني

بيوت عالية شاهقة، وأخرى واطئة حقيرة، كلها متجاورة. وإذا صادفت عشر عمارات كبار الواحدة ملتصقة بالأخرى، ترى لكل منها شكلاً ولكن منها منهجاً؛ كل هذا بجانب دكاكين كتب على أعلى مداخلها باللغة الفرنسية مرة وبالإيطالية أخرى وبالأرمنية ثالثة، دكاكين كتب في أعلى مداخلها بالعبرية حيناً وبالإغريقية حيناً آخر، كما تصادفك أخرى كتب عليها بالعربية لغة الوطن، لغة البلاد!

تأمل كل هذا. وتأمل بعض الناس وهم يتهافتون على شراء تماثيل من الجص الرخيص، تماثيل لا تمت للفن بصلة وتسجل على مشتريها قلة الذوق وعدم الفهم والجهل بأبسط مظاهر الجمال تأمل كل هذا ثم عرج على آثار الأقدمين ترها منسجمة كلها من طراز واحد سمي الطراز المصري القديم، له طابع وله انسجام وله أثره في فنون الغير، يعطيك صفته دون حاجة إلى دقة الفحص ودون حاجة إلى سابق الدرس.

كل هذا لأن الذين قاموا بالعمل الفني كانوا من المصريين الصميمين لم يكن لهم وسيلة

<<  <  ج:
ص:  >  >>