للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

للتهريج أو الدجل، كما أن الذين أشرفوا عليهم وعملوا على تشجيعهم كانوا من أبناء البلاد

بهذا التمهيد بدأنا مقالنا الأول عن الفن المصري على صفحات (الرسالة) ومنه نرى أن تاريخ الفن قد سجل للمصريين الأقدمين ذوقاً عظيماً ووحدة فنية ظاهرة لكل متأمل.

وإذا كنا اليوم نكتب عن الجمال المصري القديم، فإننا نريد بذلك الكتابة في الفن البحت، وليس في تاريخ الفن، بالقسط الذي اعتدنا أن نتناول به سابق الأبحاث.

ولا يكاد يختلف اثنان في تقدير الفن المصري القديم وخلود عظمته بل والتأكد من أنه أصل الفنون جميعاً، أثر فيها إلى حد بعيد جعل من علماء الفن والآثار من يشتغل بتحديد الصلة بين الفن المصري وبين ما جاء بعده من فنون الإغريق وغير الإغريق؛ فأخذوا يقولون بأن الإغريق هم أول من اقتبس من المصريين، كما أخذوا يدللون على ذلك بمقارنات قياسية بين تصميم المعابد المصرية ونظيرها عند الإغريق، كما أنهم قارنوا بين منحوتات المصريين ومنحوتات الإغريق في أول عهدهم، ثم تراهم يعرجون بعدئذ على قواعد غاية في الدقة تؤكد صدق قولهم، منها تناسب الأعضاء وتشابه المجموع الكلي وتناظر الإنشاء الشكلي.

وكل هذا قد يكون صحيحاً غاية الصحة، ولكن الذي يجب علينا أن نعلمه هو أن الفن المصري فن مبتكر، بدأ ونما وازدهر ثم انحط واندثر دون أن يصل في مرحلة من مراحله إلى المثل الأعلى بمعناه الغني؛ لأنه لم يمثل الحقيقة تمثيلاً يدل على التقليد البحت ولا جعل من الحقيقة ملهماً للخيال السامي، ولا اتخذ منها ما يرتفع بالتصوير الفني إلى درجة الروعة.

كان هذا ولا يزال معدوداً من القصور الحتمي الذي لم يكن للتخلص منه بد، لأنه نجم عن طبيعة البلاد المصرية ونفسية الشعب، إلى جانب بساطة الطبيعة وصفو السماء وسهولة العيش. لذلك ومع أن الفن المصري قطع مرحلة تبلغ ثمانية أضعاف المرحلة الزمنية التي استغرقها الفن الإغريقي؛ فإنه للأسباب الطبيعية المذكورة لم يصل إلى ما وصل إليه الإغريق.

وإذا كنا لا نزال نذكر ما قلناه عن بعض منحوتات أكروبوليس أثينا ومعبد بارتنون وما كانت عليه تلك القطع الخالدة التي مثلت الحياة أروع تمثيل، لأنها وصلت إلى أقصى ما

<<  <  ج:
ص:  >  >>