سل من شئت من المصريين عن تاريخ مصر الفني وعما في تراث الأجداد من مميزات، وعن الناحية الجميلة الممتعة فيه؛ بل سل أغلبية الناس في مصر ممن زاروا أهرام سقارة، وممن تطرف في حب المشاهدة للآثار المصرية وسافر إلى الأقصر، وشاهد معبد الكرنك وطيبة ووادي الملوك والملكات وتمثالي ممنون؛ سل كل هؤلاء عما شاهدوه وعما استفادوه، وعن ناحية الجمال فيما عاينوه، فلا تسمع إلا تخبطا يكاد لا يختلف عما تسمعه من أمي يعيش بجوار هذه الآثار طوال أيام حياته!
ثم شاهد مدينة القاهرة - على اعتبار أنها عاصمة القطر وأهم مدينة فيه - وما فيها من ضورب الخروج على أبسط مبادئ الذوق العام، وأخطر في أحسن شوارعها يستوقفك شذوذ الانسجام في مبانيها وظاهرة انحطاط الذوق في كل ما فيها؛ ثم تفلسف قليلا لمعرفة السبب في ذلك تجده دون شك ينحصر في جهل الناس معنى الجمال ومعنى الذوق ومعنى الفن. وهم في ذلك سواء، يستوي الجاهل مع العالم، والفقير مع الغني، والشيخ مع الأفندي
بيوت عالية شاهقة، وأخرى واطئة حقيرة، كلها متجاورة. وإذا صادفت عشر عمارات كبار الواحدة ملتصقة بالأخرى، ترى لكل منها شكلا ولكل منها منهجاً؛ كل هذا بجانب دكاكين كتب في أعلى مداخلها باللغة الإغريقية مرة وبالعبرية أخرى وبالأرمنية ثالثة، دكاكين كتب أعلى مداخلها بالفرنسية حينا وبالإيطالية أو الإنجليزية حينا آخر، كما تصادفك أخرى كتب عليها بالعبرية لغة الوطن، لغة البلاد!
تأمل كل هذا، ثم عرج على آثار الأقدمين تر أنها منسجمة، كلها من طراز واحد سمي الطراز المصري القديم. وإذا شاهدت المساجد جميعها رأيتها من طراز سمي (الأرابسك) فيه روح الانسجام، دون حاجة - في هذه أو تلك - إلى دقة الفحص لمعرفة عصر الآثار، وهل هي من مباني الأسرات الأولى أو المتوسطة أو الأخيرة، كما أنك لا تضطر إلى