فحص نقوش مسجد أو كتاباته أو تفاصيل مبانيه لتعرف أن كان من الطراز الطولوني أو الفاطمي أو طراز المماليك البحرية أو الشراكسة، وما ذلك إلا لأن الأول مصري والثاني إسلامي
هذا ما سار عليه الناس أيام كانوا أميين، أما اليوم حيث كثر المتعلمون، وأصبحوا يلبسون كما يلبس الجنتلمان في أوربا، فنرى أنهم مع مزيد الأسف قد تجردوا من الذوق وبعدوا بعدا شاسعا عن المعرفة الحق، والثقافة الكاملة المؤدية إلى حسن التقدير والاستمتاع عن طريق التذوق
لعل قائلا يقول: وما ذنبنا نحن في هذا؟ الواقع أن الذنب راجع إلى مناهج التعليم المصرية، لأنها تجردت من كل المشوقات للدرس، وخلت مما يمهد لحب الفحص والنقد، فضلا عن بعدها عن كل ما ينتمي إلى الذوق العام بصلة
وفي أيامنا هذه كثر اللغط حول معارض الفن وحول التصوير والنحت وحول الموسيقى ووجوب تدريسها بالمدارس الابتدائية والثانوية، على أني أعتقد أن كل هذا لا يخرج عن معالجة الأعراض، أما الأسباب فهي عند أولي الأمر في المؤخرة
قرروا تدريس الموسيقى في المدارس، فهل قرروا إلى جانب ذلك تحسين الموسيقى وجعلها تخرج عن الوحدة الملائمة للرقص الخليع ورقص الخيل؟
وهذا نفسه ينطبق على نوع التثقيف الفني. فمنذ أن كانت لنا مدارس ابتدائية وثانوية وفن الرسم والتصوير باقيان على ما هما عليه لم يتغيرا ولم يتطورا، حتى كتب التاريخ العام لا ترى فيها أثراً لمعنى تاريخ الفن أو تاريخ الآثار تفصيلا أو إجمالا، مع أن التاريخ في جوهره يعتمد عليهما إلى أبعد حد
وهذا لم يكن سبباً كافيا لمن أولى الأمر على الاهتمام بدراسة تاريخ الفن، ليغرسوا في نفوس النشء شيئاً من التذوق والمعرفة الفنية
كان تاريخ الفن ضمن مواد الدراسة في كلية الهندسة عندما كانت مدرسة عالية، أما الآن فقد تقرر إلغاء تدريس هذه المادة للثقة التامة في عدم نفعها أو على الأقل لعدم الحاجة إليها في المستقبل العملي للمهندسين. أما كان الأجدر بكلية الطب إلغاء مادة الصوت والضوء من علم الطبيعية ومادة التشخيص الباطني لمن سيكون طبيباً للعيون. وإذا كان الأمر كذلك