للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فلم يدرس طلبة كلية الحقوق القانوني الروماني؟ ولم يدرس طلبة كلية الآداب شيئاً من الأدب الإغريقي مثلا مع أنه لا ينفعهم في مستقبل حياتهم؟ (وهذا غير صحيح) الحق أننا نتخبط ولا نعرف إلى أي اتجاه نسير. فالثقافة العامة لن تكون كاملة ما لم تشمل أيضاً المعرفة بأصول الفن عن طريق دراسة تاريخه ولو إجمالا! إن الرسم والتصوير والنحت فنون ليست من شأن الرسامين والمصورين والنحاتين وحدهم، بل هي من شأن المجموع، إذا علمنا أن الفنان لا يعيش لنفسه، كما أن خلقه الفني لا يسجله هو بشخصه، بل أيضاً بعصره الذي عاش فيه، وبوطنه الذي شب على أرضه

وهذا ما يحتم علينا أن نعنى عناية خاصة بتاريخ الفن المصري والفن الإسلامي، وإذا كان مقال اليوم منصبا على الفن المصري وحده إجمالا، فأني أبدأ هنا بالتمهيد والتقديم له لأني لا أقصد بالكتابة مجرد الكتابة، ولا بنشر الصور مجرد التحلية، وإلا فما كان أهون عليّ من أن أتخير أجزل العبارات وأجمل المصورات، ولكني كما ترى أذهب بك ثمانية آلاف سنة إلى الوراء. لكي أستطيع أن أوضح في بساطة كيف نشأ الفن المصري وكيف نما وازدهر

والناظر إلى خريطة العالم يرى أن القطر المصري يتوسطها تقريبا إذا أراد أن يقسم الكرة الأرضية إلى قسمين متكافئي المساحة والتكوين، كما يرى أن وادي النيل أهم بقعة في القارة الأفريقية، ومن أهم مواقع الاتصال بين القارات جميعا.

وإذا كان هيرودوت قد قال بأن مصر هبة النيل , ٤ , ٣٥١ - ٣٥٥.) فلأنه كان ثاقب الفكر بعيد النظر، لتوقف حياة مصر على النيل مباشرة حيث نشأت في واديه أقدم مدينة عرفها التاريخ ولا يزال العالم أجمع يعجب بعظمتها في كل نواحيها

سارت هذه الحضارة والمدنية سيراً بطيئا طبيعياً ككل الحضارات الأخرى، مع فارق واحد هو التبكير العجيب، وإن علمنا أنها بدأت منذ خمسة آلاف سنة، فإن ثلاثة آلاف قد سبقتها لتمهد لها أعني منذ أصبحت أرض مصر الواقعة على ضفتي النيل صالحة للزراعة

هب إلى وادي النيل جماعات من تلك التي كانت تعيش في الأراضي القاحلة بصحراء ليبيا، والدارس لمقابر هؤلاء وما وجد فيها من متروكات، يستطيع أن يقف على طرق معيشتهم وأحوالهم رغما عن قلة ما تبقى منها (ش١) فيرى أنهم صنعوا العصي من سيقان

<<  <  ج:
ص:  >  >>