في ثغر الإسكندرية، مهبط الوداع واللقاء. حيث تجلب السفن قوما وتذهب بآخرين، وتحمل أناسا إلى أوطانهم، بينما تذهب بغيرهم إلى بلاد غير بلادهم وآل غير آلهم، وحيث البحر الأبيض يحمل عبابه السفن، مهتدية بمنار الثغر، فتحط اليه أو ترحل عنه، وفي رابع ربيع الآخر عام اثنين وثلاثين وخمسمائة ولد لعبد الله بن مخلوف بن علي ولد سماه نصبر الله، وكناه أبا الفتوح، ولقبه الناس بعد ذلك بالقاضي الاعز، وشهر في كتب الادب بابن قلاقس، وأرجح ما نراه سببا لكنيته الأخيرة أن أحد الأجداد في عمود نسبه يسمى بقلاقس، فحمل حفيده الشاعر النسبة إليه، (وقلاقس بقافين. الأولى مفتوحة والثانية مكسورة جمع قلقاس، وهو معروف) ولسنا ندري السبب الذي من أجله سمي جده بهذا الاسم.
ولد هذا الطفل الذي كان على ما يظهر نحيفا ضئيل الجسم، وظلت صفة النحافة ملازمة له، لم تبرحه طوال حياته حتى قال حينما كبر يحدثنا أن ضآلة الجسم لا تحول بينه وبين العلا:
جوهر المرء نفسه وبها الفض ... ل، وما غير ذاك فهو فضول
والصغير الحقير يسمو به الس ... ير فيعنو له الكبير الجليل
فرزن البيدق التنقل حتى ان ... حط عنه في قيمة الدست فيل
ويروي بعض الرواة أنه لم تكن له لحية، ولكن شعره يحدثنا أنه كان خفيف العارضين يقول:
لا تغرنك اللحى من أناس ... درجوا كالحمير تحت المخالي
ولئن خف عارضاي فاني ... لا أبالي بكل وافي السبال
يلبس على رأسه عمامة كالتاج، وذلك كل ما تستطيع ان تصل اليه إذا أردت أن تعرف شيئا عن خلقه وزيه، فإذا أردت أن تدرس أسرته وأن تعرف شيئا عن أبيه وأمه فانك غير مهتد إلى ما يشفي غليلك، اللهم الا أنه يرجع في نسبه الاول إلى قبيلة عربية هي قبيلة لخم ان صح ما يقوله النسابون عن نسبه.