كان الرأي الشائع في الدوائر التاريخية العلمية أن المصادر اليونانية لم تتحدث عن تعرض الأحباش للحجاز، ولا عن سفر الفيل غير أن المباحث الدقيقة التي نشرها المستشرق العلامة تيودور نولدكه عن تاريخ صلات الفرس بالروم. بينت أن المؤرخ بروكوب اليوناني تحدث عن تعرض الأحباش للحجاز بتحريض الروم، ومن ذلك الحين اتخذت الدراسات التاريخية وجهة أخرى تبدأ فيها بدراسة الوقائع من وجهة نظر المصادر اليونانية، وتمحص على أساسها ما ورد في كتب المؤرخين العرب، وهذه الوجهة التي مال معها المستشرقون صحيحة الأسس، لأن مؤرخي العرب تأخر بهم العهد نحو ثلاثة قرون من الزمان، تدرجت فيها وقائع الجاهلية العربية على الأفواه وتنقلت على الألسنة في فترة من الزمان، حمل في تضاعيفه من الأسباب القوية ما يجعله يتناول الواقعات والحوادث التاريخية بتأثيره، فينسج من حول مادتها الأقاصيص المتقومة بروح العصر وهكذا كان أن سلمت وقائع الجاهلية العربية لعصر التدوين في القرن الثاني للهجرة، بعد أن غابت حقائق هذه الوقائع في تيه من الأساطير التي حيكت من حولها والتي غطت على أمرها، ومن هنا تجد للمصادر اليونانية قيمتها التاريخية، باعتبارها مصادر معاصرة للوقائع التي جرت، ومن هنا يمكن اتخاذها محكا لدراسة الروايات العربية، واستخراج العناصر التاريخية منها
يذكر لنا بروكوب إنه في السنة الخامسة من حكم الإمبراطور جوستنيان، أعني حوالي سنة ٥٣٠ ميلادية، حمل الأحباش على اليمن واستولوا عليها. وهو يصوّر أسباب هذه الحملة اعتماداً على ما يقدره يوحنا المؤرخ اليوناني فيقول: إن يوسف ذا نواس (دومينوس الحميري: عند يوحنا) قبض على بعض التجار من نصارى الروم وقتلهم، واستعبد نصارى نجران، وأخذ يقطع السبيل على تجارة اليونان، فكان نتيجة ذلك أن كسدت التجارة وساءت