للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[البريد الأدبي]

الأدب المصري القديم

اطلعت في البريد الأدبي بعدد الرسالة الأخير على مسألة ضياع الأدب المصري القديم التي أثارها الأستاذ الفاضل محمد إبراهيم الجيوشي متسائلا عن ذلك الضياع مع بقاء آداب أمم قديمة أخرى - كالإغريق والرومان - خالدة على الدهر.

ولئن لم أكن من (المختصين) الذين عناهم حضرة الكاتب بسؤاله فإن هذا السؤال قد أثار في ذهني فكرة اعتنقها عن اقتناع من زمن بعيد نتيجة التدبر في أمر الدعوة الفرعونية التي نادى بها البعض. . ولعل في هذه الفكرة تفسيرا لتلك الظاهرة الجديرة بالالتفات.

ذلك أن شعب مصر في حاضره وفي ماضيه غير المغرق في البعد قد أصبح مبتوت الصلة بالقدماء المصريين، إذ لم ينتقل إليه من حضارتهم شيء لا في دين ولا في لغة ولا في ثقافة بحيث يصح تشبيهه - مع الفارق - بساكن جديد حل بيتا هجره ساكنه القديم!

فشعب مصر العربي - سواء منه ما قدمها في الهجرات العربية المتعددة، وما صهرته البوتقة العربية فأصبح عربيا - لا تربطه بالقدماء المصريين رابطة حضارية ذات بال.

وهذا بخلاف الحال عند الإغريق والرومان، إذ أن الحضارة الغربية الحديثة ليست إلا امتدادا لحضارة الإغريق والرومان التي هي الأصل الأهم للحضارة الحديثة.

لهذا لم يكن عجيبا أن يحيا هوميروس وأن يحيا فرجيل عبر الزمنة. . لأن الشعوب التي ظل الأدب اليوناني والأدب الروماني حيين بينها هي وارثة حضارة اليونان والرومان. . فهذان الأدبان هما ثمرتان لحضارة تلقتها تلك الشعوب وعاشت فيها وبها - مع التطور والتقدم الذين لا بد منهما لأنهما على سنة الكون.

ولهذا السبب عينه لم يكن من العجيب أن يضيع الأدب المصري القديم لأن الأدب صورة منعكسة عن الحضارة، وما دامت حضارة الفراعنة لم تجد لها امتدادا عند الشعوب اللاحقة لها فلا عجب أن يضيع أدبهم ولا يبقى منه على الزمن شيء إلا في متاحف ودور الآثار.

هذا ما عن لي إبداؤه في هذا الموضوع وعسى أن يكون فيه بعض التفسير لما تسائل عنه حضرة الكاتب الفاضل.

جمال مرسي بدر

<<  <  ج:
ص:  >  >>