لقد ضحك الناس كثيرا حين علموا أن أحد الباشوات السابقين قد نهر رجال الجيش الذين ذهبوا لاعتقاله في منزله بشارع الهرم قائلا لهم: إنني باشا ولا يمكن القبض علي، وأنا لا أعترف بقانون إلغاء الألقاب ولا بكلامكم الفارغ. . . ضحك الناس يومها كثيرا. ولو علموا أن مجلس القاهرة البلدي (الموقر) سيظل مصرا على عدم اعترافه بقانون إلغاء الألقاب لتأنوا في ضحكهم على الباشا السابق العنيد، والتمسوا له عذرا، ورحموا عناده بعض الرحمة.
لا بد أن مجلس القاهرة البلدي قد سمع بأن هناك حركة مباركة قام بها الجيش المصري الباسل، فطوحت بالطاغية فاروق، وقوضت عرشه الدكتاتوري؛ وأدالت دولته الباغية؛ وأنها قد محت آثاره البائدة وفي مقدمتها الألقاب البغيضة التي كان فاروق يستغلها أسوأ استغلال في سبيل أهوائه ورغباته ومطامعه - لا بد أن المجلس البلدي الموقر قد سمع بهذا كله. إذن فلماذا يصر على أن يظل معترفا بدولة الألقاب، في اللافتات التي كتبت عليها أسماء الشوارع والميادين، فنحن لا زلنا نقرأ: ميدان سلمان باشا، وميدان مصطفى كامل باشا، وميدان سعد زغلول باشا، كما لا زلنا نقرأ: شارع نوبار باشا، وشارع مريت باشا، وشارع محمد بك فريد، نقرأ هذا وذاك فنضحك ملء أفواهنا من هذا المجلس الذي يضع رأسه في الرمل مصرا على أن تظل دولة الألقاب في دنيا الأموات بعد أن تلاشت في دنيا الأحياء. .!
وإذا تركنا مجلس القاهرة البلدي حتى يخرج من رأسه الرمل، لا يمكن أن نهمل بعض ذوي الألقاب الذي عز عليه أن تتلاشى دولته، فراح يحتفظ بلافتة منزله القديمة ذات اللقب المنحل، ويحتفظ ببطاقاته القديمة أيضا، مستعملا إياها بحكمة وحذر حتى يمتد أجلها ويطال في حياتها، وكأنما حياته رهن بهذا اللقب الذي يعز عليه مفارقته. إن هذا البعض من ذوي الألقاب أشبه بمن رأى حلما لذيذا ثم استيقظ فجأة، فعز عليه أن يحرم هذه اللذة، فراح يتصنع النوم من جديد لعله يعود إلى حلمه، فهو جدير بأن نطلب له الرحمة. .