(ما من مفكر أشد إخلاصا من نيتشه، إذ لم يبلغ أحد قبله ما
وصل إليه وهو يسير الأغوار في طلب الحقيقة دون أن يبالي
بما يعترض سبيله من مصاعب لأنه ما كان ليرتاع من
اصطدامه بالفجائع في قرارتها أو من الانتهاء إلى لا شيء)
(أميل فاكيه)
هذا هو نيتشه كما صوره فاكيه بعد أن درس عديد مؤلفاته واستعرض فلسفته. وقد جاراه بهذا التقدير أنصار نيتشه وخصومه من كل شعوب أوربا؛ فإنك لو استعرضت المؤلفات التي كتبها العباقرة العديدون، ومنهم من يعتقد بتخبطه على غير هدى، ومنهم من يرى وراء كل جملة من أقواله سورة لا تنجلي معانيها إلا للعقل النافذ والحس المرهف، لرأيتهم قد أجمعوا على وصفه بالمفكر الجبار المتجه إلى الحقيقة يطلبها وراء كل شيء حتى وراء المبادئ التي يقول بها
وما أجمع هؤلاء المفكرون إلا على الصواب في هذا الوصف الذي ارتضاه نيتشه لنفسه إذ قال:
(لا يكفي لطالب الحقيقة أن يكون مخلصاً في قصده، بل عليه أن يترصد إخلاصه ويقف موقف المشكك فيه، لأن عاشق الحقيقة إنما يحبها لا لنفسه مجاراة لأهوائه، بل يهيم بها لذاتها ولو كان في ذلك مخالفاً لعقيدته؛ فإذا هو اعترضته فكرة ناقضت مبدأه وجب عليه أن يقف عندها فلا يتردد أن يأخذ بها
إياك أن تقف حائلاً بين فكرتك وبين ما ينافيها، فلا يبلغ أول درجة من الحكمة من لا يعمل بهذه الوصية من المفكرين
عليك أن تصلى نفسك كل يوم حرباً، وليس لك أن تبالي بما تجنيه من نصر أو تجني