للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

البَريدُ الأدَبي

هذا أديب

كان عندنا في مصر أديب فلسطيني راجح العقل، وافر الذوق، أسمه، سمه خليل سكاكيني؛ وكانت بيني وبينه مطارحات تصل أحياناً إلى الصيال، ولكنه لم يكن يعرف الحقد ولا الضغن

فكان يتلقى هجومي عليه بالصفح الجميل، ثم يحمله الكرم على المبالغة في الرعاية لما كان بيننا من صداقة وإخاء

ولا أذكر بالضبط متى انتقل من القاهرة إلى القُدس، فقد شغلتني عنه أيامي، ولم يبق لي منه إلا هدايا أدبية من كتبه النفيسة يرسلها إليّ من إلى حين بدون أن يتلقى مني كلمة ثناء، إلا أكون وُفقت إلى الكلام عن بعض مؤلفاته أعوام كنت أحرر الصفحة الأدبية بجريدة البلاغ، وأنا رجلٌ يعاوده الوفاء في بعض الأحايين!

تلقيت يوماً رسالة مطبوعة من الأستاذ خليل السكاكيني، فنظرت فيها فرأيتها مجموعة من خطابات الأشواق كتبها إلى ابنه سرِيّ وكان اغترب لطلب العلم في أمريكا

فماذا رأيت؟

لم أجدها رسائل أب إلى ابنه، وإنما وجدتها رسائل عشق إلى معشوق!

رأيت رجلاً يقول لابنه إنه تذكر وجهه الأصبح وهو في مثل ضوء الشَّفَق وقد صِيغَ مثالاً للجمال الشائق الفنان. رأيت رجلاً يقول لأبنه إنه يتذكر طُرْفة الجميلة المصفوفة على أروع ما تكون الغدائر التي تفتن العيون فيهتاجه التذكر والاشتياق

رأيت رجلاً يتغزل في ابنه بعبارات صريحة فقلت: هذا أديب يطبع الحب الأبويّ بطابع الوجدان

وفي هذا المساء - وقد رجعت من سفر لا يخلو من عناء - وجدت رسالة مطبوعة من الأستاذ خليل السكاكيني وعليها صورة امرأة جميلة فقلت: لعلها معشوقة يتحدث عنها هذا الأديب، وهل عرفت الدنيا أديباً خلا قلبه من العشق؟

ومن هذه المعشوقة الغالية؟

هي حليلة السكاكيني، هي أُمُّ سَرِي التي خُلِّدت في أشعار الأستاذ معروف الرصافي وأقبلت

<<  <  ج:
ص:  >  >>