للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[أنا. . . والقمر!]

للأستاذ راجي الراعي

لقيت القمر أمس، وكان بدراً، وإليك ما دار بيننا:

- من أنت أيها القمر؟!

- أنا. . . أنا هو القمر!

- ولم هذه الغطرسة؟!

- ألا ترى أين أنا؟ إني أتوسط الأفق. . .!

- ولكنك مع علائك لست بالعصامي، فأنت تستعير نورك من الشمس. . .

- وهل ترى في ذلك ما يشير إلى الضعف. . . من هو الذي لا يحتاج ولا يستعير ولا يستجير. . . أتحسب أن في الأرض والسماء حراً مستقلا غير الله؟. . . الإنسان مدين لدمه، ودمه مدين للأرض التي غذته بثمارها، والأرض مدينة لعناصرها التي تصون كيانها، وقلب الأرض مدين لقلب الأفق الذي يسقيه ويحييه. . . الغمامة التي تراها عالقة بأهداب السماء، مدينة للبحر الذي قذف بها إلى سمائها. . . البحار مدينة للأنهار، والأنهار للينابيع، والينابيع للجبال، والجبال لذرتها التي تضامنت فكونتها. . . نعم، أنا مدين للشمس، والشمس مدينة لدائنها، ودائنها مدين لدائنه. . . الحياة مدينة للأرحام التي تقذف لها بالأجنة، والموت مدين للحياة التي تملأ لحوده. . . القرون مدين بعضها لبعض، وكلها مدينة للرجل الأول. . الموسيقى والغرام والتصوير والنقش والشعر فنون مدينة للخيال، والخيال مدين للمرأة، والمرأة مدينة للحب والجمال. . . الليل مدين لشمس التي غابت، فلولاها لم يضرب خيامه في الأرض، والفجر مدين لليل، فلولاه لم يطلع. . . أنا مدين للشمس أستعير نورها، ولكن الليالي مدينة لي، وأنت مدين لي ساعة تتسكع في الظلمة، وساعة أثير صدر حبيبتك النابض في ظلى فتضمك إليه، إن في كل قبلة من قبل حبك شيئاً مني. . . أنا هو القمر. . . أنا القمر. . أنا البدر وكفى. . .

- ما عهدتك يا صاحبي فصيحاً إلى هذا الحد وغزيراً. . . ولم أر قبلك من يدافع عن نفسه بمثل هذه البلاغة. . . حقاً إنك لنقيب المحامين، وإنك لجميل، وأجمل ما فيك وضوحك وجلاؤك! عبقريتك عبقرية الوضوح والجلاء. . . ليس فيك شئ من الإبهام والقلق

<<  <  ج:
ص:  >  >>